سالم العنزي

المقاطعة الشعبية..احمل مغزلك واتبعني

الأربعاء - 21 أكتوبر 2020

Wed - 21 Oct 2020

أعظم الأسلحة في التاريخ لم يكن المسدس ولا البندقية، وأكبر الانتصارات التاريخية لم تأت عن طريق القنبلة النووية، فكشمير هزمت السلطات الهندية بالتفاح، بينما كان القطن سببا لتحرير الهنود أنفسهم من قوات الاحتلال البريطانية.

قد يبدو التفاح والقطن أسلحة صغيرة وعديمة جدوى إذا ما قورنت بالمدفعية والرشاش الآلي صحيح؟

ربما، لكنها بكل تأكيد ذات مفعول قوي ونتائج جبارة إذا كانت مخلوطة بالعزيمة وممزوجة بالهمة، فعندما ألغت الهند الحكم شبه الذاتي الذي يتمتع به إقليم كشمير منذ عقود، تعمد المزارع الكشميري البسيط ترك تفاحه يتعفن على الأشجار سعيا منه لضرب الصادرات الهندية من التفاح، السلاح الاقتصادي الذي لجأ إليه الكشميريون في مواجهة الهند كان نفسه سببا رئيسا في نجاح حركة الحقوق المدنية في أمريكا، التي قادها مارتن لوثر كينغ عن طريق مقاطعة حافلات المدن التي تعترف بالتمييز العنصري.

المقاطعة شكل من أشكال المقاومة الشعبية، وشكل من إشكال الصراع الثقافي والحضاري، إن المقاطعة بجميع أوجهها سواء السياسية أو الاقتصادية هي وسيلة سلمية متعارف عليها لإيصال صوت الناس الحقيقي، سواء في دعم ما يريدونه أو مقاومة ما يعتقدون أنه لا يخدم مصالحهم الشخصية أو الوطنية.

عندما يكون العدو جاهلا وأحمق وفاقدا للأخلاق، يجب أن لا نسمح له أن يجرنا إلى مستنقعه أو ننافسه في جهله وحماقته، أو عندما يصعب على الحكومات تنظيم مقاطعة رسمية بسبب الاتفاقيات العالمية وأنظمة منظمة التجارة العالمية، يبرز دور المواطن البسيط، حيث إن المقاطعة تبدأ وتنتهي عند الإنسان، والإنسان هو من يحدد زخمها وقوه تأثيرها.

وقد لا يكون بمقدور الإنسان البسيط وحده أن يفقر العدو أو يحطم اقتصاده كليا، لكنه بكل تأكيد قادر على التأثير وصنع التغيير. لقد أثبت التاريخ أن التنظيم والالتزام الثابت للمواطن البسيط العادي يمكنهما أن يغيرا التاريخ والأحداث.

عندما يستشعر المواطن دورة في الأمن الوطني ويستخدم سلاحه الذي يملك، مثلما فعل ثمامة بن أثال (رضي الله عنه) لما أسلم، عندما قطع تجارة الحنطة التي يمتلكها عن قريش وقال لهم «والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم». ثمامة (رضي الله عنه) لم ينتظر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينسق مع أحد، ولم ينتظر توجيها من أحد، بل كانت ردة فعل تلقائية.

لن أتعامل معاكم، ولن تستفيدوا ماديا أو اقتصاديا من خلال تعاملكم معي، عندما يقوم كل مواطن وكل فرد في المجتمع بتبني ردة فعل ثمامة، عندما تكون مصلحة الجماعة أكبر من مصلحة الفرد، عندما تتفوق الجماعية والوطنية على الفردانية والشخصانية؛ فإن نتائج المقاطعة تكون استثنائية وأكبر من المتوقع.

المقاطعة ثقافة أمم وشعوب متحضرة لم ترض أن يبتزها أحد في أمنها الوطني وفي مقومات وطنها، لذلك كانت المقاطعة أمضى سلاح يستخدم كتعبير عن الاحتجاج والرفض.

عندما لاحظ غاندي (المواطن البسيط) أن بريطانيا تحتكر شراء القطن الهندي الطبيعي بثمن بخس لتعيده ملابس وقطعا قطنية، وتبيعه للهنود بأغلى الأثمان، لم يرفع البندقية ولم يستخدم المسدس ولم ينتظر منظمات عالمية أو إقليمية، بدأ بنفسه وقال لصديقه «احمل مغزلك واتبعني»، وهو لا يعلم أنه بهذا التصرف الفردي يدق المسمار الأخير في نعش إمبراطورية بريطانيا العظمى أو الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس على امتداد أكثر من 30 مليون كيلو متر مربع حول العالم.

SMAlanzi @