أحمد الهلالي

توجيه التغييرات الاجتماعية!

الثلاثاء - 20 أكتوبر 2020

Tue - 20 Oct 2020

المتأمل في الحال الاجتماعية يلاحظ عددا ضخما من التغييرات، بدأ بعضها منذ عقد من الزمان، وبعضها أكثر وبعضها أقل، وهذه التغييرات تأتي استجابة لمتغيرات كثيرة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي، تجلت تأثيراتها في مراجعة كثير من المفاهيم الثقافية والاجتماعية، وتلك المراجعات باتت تنسحب اليوم على التفكير الاجتماعي ورؤية الناس للحياة والعالم.

في عيد الأضحى الماضي غرد أحد المشاهير المرموقين عن القيمة التي يحققها الرجل حين يذبح أضحيته بنفسه، فكانت ردود الأفعال على تلك التغريدة درسا اجتماعيا تتجلى من خلاله التغييرات التي طرأت على مفاهيم الرجولة في العصر الحديث، فلم تعد المعايير القديمة مهيمنة بذات الوتيرة على تفكير أبناء المرحلة، ولا علاقة في نظرهم بين الرجولة في معانيها السامية وبين ذبح الكائنات الحية وسلخها، بل هناك معايير أحق بأن تحل في معادلة (الرجولة السامية).

هذا مثال واحد فقط على التغيير، وتبدل القناعات والأفكار، وهي علامة على حياة العصر والجيل الذي تتشكل شخصيته من خلال رفضه للإملاءات الوراثية التي ما تنفك في محاولات صبغه بالألوان التي تعودت عليها.

ولعلي لا أشطط إذا قلت إن الدعوة إلى جل التغييرات كانت موجودة سابقا، حين كان الرفض لكثير من العادات الاجتماعية موجودا، لكنه لا يظهر إلا في كتابات الأدباء والمثقفين منذ جيل الرواد، وكان الخطاب المضاد أقوى، خاصة حين تتلبس بعض المفاهيم باللبوس الشرعي وهي تساق في مقامات الوعظ الديني، وعلى ألسنة رموزه، ما جعل أفكار التغيير تمر عبر قنوات ضيقة جدا في النسيج الاجتماعي تشبه الشعيرات الدموية في الجسد، لكن تلك الشعيرات اتسعت بانتشار التعليم وأخذت تكبر بدخول الفضائيات، ثم كبرت بالانترنت وتنامي الوعي الاجتماعي، وتعاظمت بالرؤية المباركة 2030.

تبدلت كثير من القيم الاجتماعية، ولا يزال المجتمع يعيد تعريف كثير منها كالكرم والنخوة والشهامة والثقة والحرية والاعتماد على الذات وغيرها كثير، ولا تزال التغييرات مستمرة في النظر إلى المرأة والأبناء والآخر المختلف دينيا أو عرقيا، وموجة الانحسار تتسارع في تحجيم أفكار الوصاية والتدخل في شؤون الآخرين، والقمع الذي تمارسه السلطة الاجتماعية بحجة الحفاظ على الموروثات، ما يوجب على الباحثين في الحقول الاجتماعية، والمهتمين بالنقد الثقافي أن يتتبعوا هذه التغييرات، وأن يتأملوها راصدين ملامحها وحيثياتها وكيفية التغييرات التي طرأت عليها، أو عمليات المحو التي طمستها.

التغيير سنة كونية، والأفكار والعادات عرضة للتبدل والتغير، وبعضها عرضة للموت والتلاشي، حسبما يستجد وما ينفع الإنسان، وأهم ما يجب أن نتوخاه في هذه المراحل التي يتغير فيها مجتمعنا، أن نحرص بشدة على أن تكون ثقافتنا قادرة على إنتاج قنوات كبرى تستوعب هذه التحولات الاجتماعية وتوجهها بكيفية لا مباشرة إلى فضاءات تنفع الوطن إنسانا ومكانا، ولا شك أنها قادرة إن استثمرت بعناية في الحقول والأدوات الثقافية المختلفة، مراعية للوعي الاجتماعي المتقدم، وتتزيا بهوية ثقافية وطنية حقيقية، لا يشوبها لبوس الآخر.

ahmad_helali@