شاهر النهاري

سأترك اختيار العنوان لكم

الاثنين - 19 أكتوبر 2020

Mon - 19 Oct 2020

شعور عظيم لا يدركه إلا أهله، نابذو التخلف والعنصرية والطمع والفساد وتعظيم الوهم والاحتيال لبلوغ البريق والسلطة والمال.

شعور لا يكتمل إلا في وعي النجباء العارفين المتفانين الفاعلين الساعين لمصلحة البشرية، فتكون أنظارهم متطلعة لإحياء القيم الإنسانية، واختيار العلم والسلام والصحة، وتوطين الخير، لأجيال قادمة ستكون أقل معاناة، وأكثر سعادة بما قدموا لها من إنجازات علمية.

البشرية تتعرض لكثير من الأمراض القاتلة وتشير التقديرات إلى أن 71 مليون نسمة مصابون بمرض فيروس الكبد (سي)، وأن نحو 400 ألف منهم يموتون سنويا.

ويعلن معهد كارولينسكا السويدي في ستوكهولم عن فوز الأمريكيين هارفي أولتر ورايس تشارلز، والبريطاني مايكل هيوتون بجائزة نوبل للطب عام 2020، نظير اكتشافهم الفيروس المسبب لالتهاب الكبد من النوع «سي».

الثلاثة اقتسموا شرف الجائزة المستحقة نظير مساهماتهم الحاسمة في مكافحة معضلة الالتهاب الكبدي «سي»، الذي ينتقل عن طريق الدم، ويؤدي إلى تليف وسرطان الكبد.

مرض ظل يحصد الأرواح لعقود طويلة بعد اكتشاف النوعين «إيه» و»بي» وقبل أن يبدع الثلاثة المثابرون بتفان وإخلاص وإيمان بجدوى العلم الحقيقي، والتجارب المختبرية الدقيقة المرهقة المثمرة، واستخدام أحدث طرق التكنولوجيا المتطورة، ليكشفوا سر الفيروس الغامض، وعزله وتحديد طرق معالجته.

علم حقيقي مفيد للإنسانية جمعاء، ومساعدة لملايين المصابين على تخطي مراحل الألم والموت، دون النظر لحيثيات المريض، الإنسان.

وننظر لحال الدول العربية، التي تظل غير قادرة على بلوغ جوائز نوبل في العلوم والمخترعات والتقنية، ومن المؤكد أن أعذارنا متعددة، منها الأحوال السياسية الملتهبة والاقتصادية المهزوزة، وضمور العلم في تربة ثقافتنا، وتحدر مناهج الدراسة، وطغيان نهج الكلام والتلاعب بالمفردات، فلا نتوقف عن تجديد تفسير معاني الكلمات، دون أن نتفق على معنى أكيد!

كما أن مجالات البحوث هزيلة نادرة، ومؤسساتنا التعليمية العليا مقصرة في تكوين ورعاية العلماء الإنسانيين، ممن يطرقون العلوم المؤكدة المتطورة الحديثة، ولا يكون الحفل النهائي وتوزيع الألقاب والشهادات هدفا لهم.

العقول العربية نجيبة إذا ما وجدت الأجواء الملائمة كما حدث للمصري أحمد زويل، الذي احتضنته جامعات أمريكا وسخرت له البيئة والإمكانات ليبدع وينتج، بينما تضمحل عقول نقية بيننا، وتتخدر وتنحرف، وتصبح تقدس الكراسي الوثيرة وفلاشات الكاميرا، والحساب البنكي المحرز.

كثير من عقولنا الشابة تحلم ببلوغ جوهر العلوم والاختراعات والبحث، لكنها تصطدم بانحراف وفقر المفهوم، وضعف الإمكانات التأسيسية وقلة المعامل، وغياب المرشدين المتفانين للعلم، فتنطوي أحلامهم على أنفسهم، ويبدؤون بالبحث عن أقرب وأرخص شهادة، أو أسهل تطبيق الكتروني مسروق الأساس، ليقوموا بتعديله والتبجح بالمطالبة ببراءة اختراع!

أغلبية الأطباء العرب يتجهون للعمل الخاص، الذي يفقدون معه كل مشاعر ومعاني وأهداف الإنسانية، ويظلون يكدحون في عدة مستشفيات وعيادات زجاجية، يتعاملون فيها مع المرضى بجشع من وجد حفرة كنز وظل يغرف منها حتى آخر نفس!

كثير من المتخصصين والمهندسين يبدعون، ويكادون أن يصلوا، قبل أن تسطع عليهم شمس الإعلام، فتسيح زبدة علومهم بحرارة الصحف والشاشات وقنوات التواصل، وكثير منهم يختصر الطريق بالأعشاب والغيبيات والوهم وفنون التلاعب بالكلمات.

وقمة العجب حينما نسمع من يدعي أن جائزة نوبل عنصرية ظالمة، منحازة ضد العرب، وأنها تفتقد للإنسانية!

عليه، فقد تركت اختيار العنوان لكم.

shaheralnahari@