علي المطوع

بندر بن سلطان.. لماذا الآن؟

الاحد - 18 أكتوبر 2020

Sun - 18 Oct 2020

يتساءل كثيرون عن مغزى توقيت مقابلة الأمير بندر بن سلطان الأخيرة، والمعلومات التي أزاح عنها جدار السرية والغموض، وإن كانت في المجمل معلومات لها شواهدها التي تؤكد حدوثها، خاصة عند المطلعين والمتطلعين لهذا النوع من المعلومات وما رشح عنها من تطورات وأحداث لاحقة.

من جهة ثانية فإن التزام أطراف عربية أخرى حالة الصمت تجاه تصريحات الأمير يعكس حالة من الترقب يعيشونها، تقتضي إعادة تموضعهم في اتجاه يجعلهم مع الريح وليس ضدها.

وكما كان حجم المعلومات كبيرا كانت قبل ذلك قامة بندر بن سلطان السياسية وتجربته العملية في الداخل والخارج، دافعا قويا لأرشفة هذا الحدث تاريخيا قبل أن يكون مادة إعلامية تتوقف عندها وكالات الأنباء ومحطات التلفزة تمحيصا وتحليلا.

كمتابعين للأحداث في محيطنا الإقليمي يتضح لكل عاقل بصير يرى الحقيقة مجردة من الشوائب، أن العالم العربي يعيش أزمة فكرية محبطة، قبل أن تكون أزمة سياسية، هذه الأزمة سببها انقلاب المفاهيم عند الساسة أولا والشعوب على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية، حيال تفسير الأحداث المتسارعة وقراءتها وفق إطار سياسي محدد، ينتج عنه تصور محكم للمرحلة الحالية وتداعيات أحداثها المستقبلية على المنطقة وشعوبها.

الربيع العربي كان لشعوب المنطقة حدا فاصلا بين ما كان وما هو كائن وما سيكون، بمعنى أن كثيرا من الشعارات التي كانت ترفع في فترة ماضية أصبحت اليوم نسيا منسيا، فالمد العروبي أصبح من التاريخ، وحركات (الإسلام السياسي) وجدت نفسها تحت ضغوط المتغيرات الأخيرة ورقة لعب تصعد وتهبط، بعد أن كانت بعض التوجهات الغربية ترى في رموزها لاعبا مستقلا يمكن أن يعول عليه ليقود الأحداث ويصنعها، لكن الواقع وعقلاءه اليوم لا يرون في هذه الحركات سوى عوامل ضغط إن لم تكن هدما تستخدمها بعض الدول الإقليمية التي تريد أن يكون لها في الشرق الأوسط حضور حصري وأبدي.

تركيا اليوم تسفر عن عداء بغيض للشعوب قبل الحكومات، تترجمه عنجهية تعكس المزاج الأعجمي عندما يستصغر العرب أمة وتاريخا وحضارة، وهذا ما تعكسه تصريحات الزعيم التركي الأخيرة تجاه المنطقة ودولها، وفي تزامن غريب مع هذه التصريحات يجول ويصول في بعض الأقطار العربية وكأنه الفاتح المنتظر!

إيران تتمدد في كل الأنحاء وتتفق مع تركيا في كل الملفات التي تضر بالمنطقة وشعوبها، في وفاق عجيب يتعارض مع تاريخ العلاقة بين القوميتين التركية والفارسية، ومع ذلك تجد أن هذا التوافق يُتجاهل من بعض الحركيين، بل قد يُدافع عنه ويدفع به إلى الواجهة تحت ذريعة خلاص الشعوب العربية من هيمنة حكامها الحاليين وحكوماتهم المتسلطة!

وتحت وقع كل هذه الظروف وهذه المتغيرات الخطيرة، يبدأ اليوم تشكل حالة وعي جديدة عند الشعوب العربية، هذه الحالة غيبتها الجزيرة القطرية فترات طويلة وزادها الخراب العربي مأساة ودموية، هذه الحالة تستدعي فتح الملفات القديمة وإعادة دراسة ما جاء فيها وما لها وما عليها، وكيف آلت أحوال شعوب المنطقة لتصل إلى هذا المستوى من الضعف والهوان، تحت زخم إعلامي معاد يبشر بوجود تركي قادم، ومد فارسي جاثم غاشم في العراق ولبنان واليمن وسوريا، وتدخل غربي سافر تحت ذرائع الديمقراطية وحقوق الإنسان!

حديث بندر بن سلطان وتوقيته يصبان في هذه الخانة، وهذه الحالة - حالة الوعي الجديدة - تتطلب تشكيل رؤية عربية فكرية ثقافية جديدة واعية عند النخب، ومنهم إلى باقي شرائح المجتمعات المختلفة، تقوم على فهم الواقع السياسي الحالي وكيف تشكل وكيف سار حتى صار واقعا نعيشه اليوم في صور مأساوية ومؤلمة تستدعي فهم شعوب المنطقة؛ مقدماتها كيف تشكلت، ومآلاتها كيف تكون، وما هي انعكاساتها الخطيرة على العرب وقضاياهم المصيرية المشتركة وفي طليعتها فلسطين المحتلة؟

alaseery2@