سعد خالد العريفي

مبتعث في حصار كورونا!

الاثنين - 12 أكتوبر 2020

Mon - 12 Oct 2020

بعد أن حطت طائرتي في أراضيها، فتحت الأبواب آذنة لنا بالخروج، بادرت بشهيق ألتمس به نسمة عليلة بعد رحلة طويلة، فإذا برائحة خانقة تملأ صدري وتكتم أنفاسي، فنظرت من حولي متعكرا لأرى سحابة شديدة السواد تنفث النار وتسبح في السماء كأنها الطير الأبابيل تلتهم من اعترضها دون رحمة. ثم ما وضعت أمتعتي حتى جن الناس وتملكهم الوسواس، فلا السلام يعرفون ولا هم في الطرقات يسيرون، وإذا بي في غرفتي مقيد مسجون بلا تهمة أو سبب معلوم!

«اكتسحت حرائق عظيمة غابات أستراليا لتلتهم بوحشية مليار مخلوق وتقذف الكوالا بتهمة الانقراض»، اتجهت إلى شقتي بقلق على أنغام ذلك الخبر بعد وصولي لأستراليا مطلع العام، وبينما كنت منشغلا بالتأهب للملحمة الدراسية تداعى عويل من حولي يصم الآذان ويدميها. أعلنت الصين عن انتشار فيروس صغير لا تراه الأعين يجد طريقه في البدن فما يلبث أن يفتك به ينتمي لعائلة «كورونا»، ثم أخذ بالتفشي في أبدانهم كالنار في الهشيم حتى تطابقت جثث الموتى فوق بعضها! احتال الخبيث على شركات الطيران فعبر القارات على أجنحة الطائرات ثم استوطن الأنفس من شتى البقاع فلا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا حتى بالتقوى!

كان لتلك الأحداث دوي في داخلي، فبين وحشة البعد عن الوطن والشوق للأهل وحشة السجن في زنزانة الغربة والخشية على النفس من هلاكها، أصبحت الأيام تحت حصار المرض تتكرر في روتين ممل خانق، يخلف الأمس اليوم والحال هي الحال، تتابع تضاعف حالات الإصابة مع تضاعف وزني كأن أحدهما مقياس للآخر، أصبح الخروج للا شيء إلا المشي واستنشاق الهواء العليل غاية النفس ومناها، صار مجرد التفكير في كأس قهوة سوداء وسط مقهى يحفل بالزوار يطرب نفسي ويملؤها شوقا ونشوة كأنه حلم يستحيل الوصول إليه، في شهر أو أقل، انقلب حال الدنيا رأسا على عقب.

مع تعقد الأمور، والشعور باليأس وفقدان الحلول، تأبى رحمة الله إلا أن تغشى عباده، قال تبارك وتعالى ﴿فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا﴾.

استشعرت لذة النعم من حولي، أمور في حياتي ظننتها دائمة لي: عائلتي، عافيتي، حريتي، مسيري في طرقات المدينة طليقا دون خوف من عدو يترصدني أو مرض يجتاحني، لقاء الأصدقاء على كأس قهوة لتجاذب أطراف الحديث، أصبحت في لمح البصر جزءا من خيالات الماضي. فتلك الدنيا وذاك حالها تتقلب بين الرخاء والبلاء ومع كل ابتلاء تتنزل رحمة خالق السماء كسحابة خير على أرض تصدعت شوقا لقطر المطر. وعن المحن وانفراجها بعد اعتلاكها يقول ابن النحوي في رائعته قصيدة المنفرجة:

اشتدي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلك بالبلج

وظلام الليل له سرج

حتى يغشاه أبو السرجِ

وسحاب الخيرِ لها مطر

فإذا جاء الإبان تجي