عبدالله قاسم العنزي

المرتزقة في القانون الدولي

الاحد - 11 أكتوبر 2020

Sun - 11 Oct 2020

إن المرتزق بالمفهوم العام كل شخص يستهدف النفع الشخصي عن طريق العمل المسلح، سواء كان منفردا أو مع جماعة منظمة، ويشارك فعلا ومباشرة في الأعمال العدائية في مجتمع كثرت فيه النزاعات المسلحة لصالح أحد أطراف النزاع، بقصد قلب موازين القوى في ساحات ميدان القتال.

وعندما نستقرئ ظاهرة المرتزقة نجدها من الظواهر التي عرفتها المجتمعات البشرية منذ القدم، فقد كانت أداة من الأدوات المهمة في الحروب والغزوات بين القبائل والسلب والنهب - الحنشل - قبل ظهور الدول والجيوش النظامية.

وبعد ظهور الدولة الحديثة والقانون لا تزال ظاهرة المرتزقة تمارس كأداة في النزاعات المسلحة منذ منتصف القرن الماضي حتى يومنا هذا، كما هو مشاهد في التجربة التركية الآن.

هناك تدفق كبير من الأخبار والتقارير المتداولة عن نقل تركيا مئات المقاتلين السوريين المعارضين إلى مواطن الصراع الأهلية في ليبيا، وصولا إلى نقلهم إلى بؤر النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، واستطاعت الإدارة التركية الاستفادة من السوريين وتحويلهم مرتزقة تابعين لها ترسلهم لأي مكان تشاء!

إن سياسات تركيا التوسعية ووجودها العسكري على عدة أراض عربية، وتأجيج الصراع فيها وتوظيف المرتزقة كأدوات حربية؛ تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، وتعد افتئاتا على المبادئ الدولية.

ولو نظرنا إلى نشاط تركيا العسكري وتمددها برا وبحرا على حد سواء، نجده يهدف إلى الاستباق إلى أخذ أكبر حصة من المكاسب بسبب الوضع السياسي العام في الشرق الأوسط، وأعتقد في رأيي أن هناك ضوءا أخضر من الأمم المتحدة لتوسعات إردوغان في المنطقة.

ولا أكاد أجزم بما ذكرته سابقا، لكن ما هو مؤكد لنا وفق القانون الدولي أن مجلس الأمن يتحمل المسؤولية الرئيسة عن صون السلم والأمن الدوليين، وما يقوم به رجب طيب إردوغان يعد عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي، خاصة في المواد (29 / 31) من اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899م - 1907م بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية، وكذلك المادة الخامسة من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 46 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م لاتفاقيات جنيف.

والمستقر أنه لا يجوز للدول تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم أو جلبهم أو إرسالهم وفقا لأحكام هذه الاتفاقيات، بل يعد تجنيد المرتزقة وإرسالهم جريمة من الجرائم ذات الاختصاص الدولي، ولذلك يجب على الأمم المتحدة أن لا تقف مكتوفة الأيدي عن هذا العبث الذي أحدث زعزعة وعدم استقرار في المنطقة.

ولعل القارئ الكريم يسألني: ما موقف القانون الداخلي من المرتزقة للدولة التي يشارك على إقليمها مرتزقة بأعمال عدائية ضدها من قبل الطرف الآخر في النزاع المسلح؟

باختصار ودون تعقيد: إذا شارك شخص أجنبي فعلا في الأعمال العدائية دون رابطة رعوية - جنسية - ولا ينتمي إلى القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع المسلح، فإنه يحرم من الحماية القانونية وفق القانون الدولي بوصفه مقاتلا، ولن يتمتع بوضع أسرى الحرب، ولهذا فإن البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف الصادر عام 1977 نص صراحة في المادة (47/1) على أنه «لا يحق للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب»، بمعنى أنه يعاقب وفقا لأحكام القانون الداخلي للدولة التي ألقت القبض عليه وباشر العدائية ضدها مقابل دولارات دفعت له من الطرف الآخر في النزاع المسلح، ويعد من المجرمين، وليس من أسرى الحرب الذين لهم أحكام خاصة في القانون الدولي.

expert_55@