أوهام الإمبراطورية العثمانية وراء جنون إردوغان
السبت - 10 أكتوبر 2020
Sat - 10 Oct 2020
وقال التقرير إن السياسة الخارجية التركية تسعى إلى استعادة الإمبراطورية العثمانية التي تأسست قبل قرن ونصف في البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا والقوقاز، وهي أوهام صعبة المنال في عالم متغير لم يعد يحتمل ظهور إمبراطوريات.
ولفت إلى أن تركيا بقيادة إردوغان حاولت أن تركب موجة الربيع العربي، واستخدمت الإسلام السياسي لدعم شبكة الإخوان الإرهابية، والمتاجرة بالدين لتوسيع دائرة الزعامة والظهور أمام العالم وكأنها المدافع عن الدين الإسلامي.
وتواكبت أوهام الإمبراطورية وسياسة المتاجرة بالدين مع البحث عن مصادر دخل جديدة، مما دفع أنقرة إلى الدخول في نزاعات دولية جديدة وإشعال نزاعات قائمة بسبب أطماعها في البحر الأحمر ورغبتها في الاستئثار بموارده بعيدا عن بقية الدول التي تطل على المجرى المائي نفسه.
الخلافات المحتملة
ويؤكد التقرير أن تركيا لم تعد على خلاف فقط مع الدول العربية التي تعاني من استفزازات إردوغان، ولكن أيضا مع بعض دول الناتو والاتحاد الأوروبي. بعدما ساهمت سياستها العدائية في نفور الكثير من الدول من حولها، وزادت من خصومها في الشرق الأوسط، وأشعلت المنطقة بعدد كبير من التوترات، من سوريا إلى ليبيا مرورا باليونان وقبرص وأذربيجان.
ووفقا للتقرير، يجب أن تكون روسيا، التي تعتبر الآن أكبر مورد للطاقة لتركيا، على دراية بالدور المحوري لأنقرة أثناء متابعة سياساتها في الشرق الأوسط، وكذلك في نزاعها مع كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. كل هذا لا يستبعد النزاعات المحتملة بين أنقرة وموسكو، وهذا ما حدث في سوريا ومحافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث تقف كل من تركيا وروسيا على طرفي نقيض من الحاجز. كواحدة من استراتيجيات روسيا هناك جهود لدعم الأكراد، فقد فازت موسكو بتأثير غير مباشر على أنقرة. قد تنشأ مناوشة أخرى معقولة بين هذين البلدين من التأثير على المناطق التي تسيطر عليها روسيا، مثل الجمهوريات السوفيتية السابقة، والتي تسكنها الشعوب التركية، ومع وضع هذا في الاعتبار، تواصل موسكو تطوير شبكتها في خطوط أنابيب الغاز إلى أوروبا حتى لا تعتمد على أي دولة عبور.
اقتراب إيران
وبمجرد صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا، اقتربت إيران من أنقرة، في ظل الاتفاق حول قضايا مشتركة وللنهج المماثل تجاه الانفصاليين الأكراد، ومع ذلك، فإن سياسة تركيا تجاه إيران تمزج بين عناصر التعاون والمنافسة في مزيج مزدوج نوعا ما.
وعلى الرغم من أن العقوبات الأمريكية ضد طهران كانت سببا رئيسيا للانخفاض الهائل في حصص الصادرات الإيرانية، إلا أن اللاعبين الإقليميين يقاتلون الآن من أجل النفوذ في آسيا الوسطى أو القوقاز، وأخيرا في سوريا والعراق، وقد ترى تركيا الدولة الأخيرة على أنها مصدر هش إلى حد ما لتوصيل الطاقة، البلد الذي يسيطر عليه الشيعة ويخضع لتأثير عميق لإيران.
ويعد العراق هو البلد الوحيد الذي تفتخر فيه الأقلية الكردية باستقلاليتها، حيث يمتد إقليم كردستان على طول طريق إمداد الوقود من كركوك ومناطق عراقية أخرى، وعلى الرغم من أن سياسة أكراد العراق تجاه تركيا، يمكن وصفها بأنها تقييد ذاتي من أجل الحفاظ على الاستقلال وضمان مبيعات الوقود، فإن أنقرة تدرك أن نزاعا أكثر حدة مع الأكراد قد ينشب في النهاية، يضاف إلى ذلك الجهود التي يبذلها الحزب الحاكم في تركيا لإخراج حزب الشعوب الديمقراطي ذي الأغلبية الكردية من المشهد السياسي في البلاد.
خلافات إقليمية
مع هذه المخاطر التي تهدد تدفق الطاقة المستمر إلى تركيا، قد تكون أنقرة حريصة على اتخاذ إجراءات لضمان تنويع الطاقة أو ضمان توصيل الطاقة من مصادر تعتمد على تركيا، وبالتالي فهي أكثر استقرارا من غيرها، وبالتالي، تعد هذه الحاجة أساسية لتدخل تركيا في شرق البحر المتوسط وليبيا والصومال.
وبفضل ثرواته الجديدة من الغاز، أصبح شرق البحر المتوسط الآن المنطقة الأولى التي تتطلع فيها تركيا إلى تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، ولكن بصرف النظر عن تركيا، فإن التنافس على هذه الودائع يشمل أيضا قبرص واليونان ومصر، وكلها تأمل في الاستفادة من الاكتشافات الجديدة، وهي دول تتمتع بدعم من الولايات المتحدة، وأخيرا أيضا من فرنسا.
تم اكتشاف أكثر من 900 مليار م3 من الغاز قبالة سواحل إسرائيل، مما يجعلها أكبر كمية من الغاز الطبيعي تم اكتشافها هناك، إلى جانب ذلك، تقدر ودائع مصر بنحو 850 مليار م3 من الغاز الطبيعي بينما تم تأكيد 700 مليار م3 أخرى قبالة سواحل قبرص، ووفقا للجيولوجيين، قد يحتوي حوض بلاد الشام على غاز طبيعي أكثر بكثير من ذلك.
وأثارت رواسب الغاز المكتشفة حديثا في شرق البحر المتوسط سلسلة من المطالبات، مما دفع قبرص ولبنان ومصر وإسرائيل، نحو جهود أكبر لترسيم حدودها البحرية، نتيجة لذلك، وافقت اليونان وقبرص وإسرائيل على دفع مشروع خط أنابيب بقيمة 6 مليارات دولار لنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.
عجز تركي
في يناير 2019، وافقت دول شرق البحر الأبيض المتوسط - مصر وإسرائيل والأردن وقبرص واليونان والسلطة الفلسطينية - على إنشاء منتدى لإنشاء سوق غاز إقليمي يعرف باسم منتدى غاز شرق المتوسط، سيساعد المنتدى البلدان من خلال إنشاء سوق غاز إقليمي، ومواءمة سياساتها، وكذلك من خلال تطوير واستخدام خيارات البنية التحتية اللازمة.
وجدت تركيا نفسها خارج هذه الترتيبات، وكان هذا بمثابة عجز تركي عن الاستفادة من ثروات الغاز المكتشفة حديثا، وأصبح كبار المسؤولين الأتراك يخشون من تراجع عائدات البلاد كممر للطاقة يزود أوروبا بالنفط والغاز من دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط.
في حين أن تركيا متحمسة للتحوط لمصالحها في مجال الطاقة، فإنها تدفع أيضا إلى الأمام بالمطالبات البحرية لشمال قبرص التي تعترف بها وحدها، وهكذا أرسلت تركيا سفن أبحاث النفط والغاز الخاصة بها إلى المناطق الاقتصادية الخالصة لكل من اليونان وقبرص في خطوة أثارت غضب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عندما دعت إلى فرض عقوبات.
غضب رباعي
وفي محاولة لحماية مصالحها في حوض الشام، وقعت تركيا وليبيا اتفاقية حدود بحرية مثيرة للجدل وأثارت غضب مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، حيث أكدت الدول كلها أن الاتفاقية التركية الليبية تنتهك مناطقها الاقتصادية.
من الناحية النظرية، سيمنع الاتفاق أي دولة من العمل في شرق البحر المتوسط دون موافقة مسبقة من أنقرة، ومع الصفقة السارية، ستكون لتركيا أهمية في تقاسم مجالات النفوذ الخاصة بها في البحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن تبطل رابط الغاز الإسرائيلي-القبرصي-اليوناني-الإيطالي المتوقع هناك، وتتحقق أهداف تركيا وروسيا المتقاربة، حيث تتوق موسكو إلى إعاقة إنتاج الغاز ونقله إلى أوروبا في خطوة للقضاء على المنافسة.
وبمجرد توقيع تركيا على اتفاق الحدود البحرية مع ليبيا، انحازت أنقرة إلى جانب فايز السراج وحكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة الرجل القوي خليفة حفتر، وأنشأت تحالفا جديدا مع قطر في الحرب بالوكالة، لتقف ضد مصر والإمارات وروسيا وفرنسا.
إرسال المرتزقة
أرسلت تركيا عتادا عسكريا ومرتزقة قاتلوا سابقا في سوريا، ونشرت ما يقرب من 80 مستشارا عسكريا تركيا في البلاد، لكنها أرسلت 2000 أو 7500 إضافيين، وفقا للمراقبين السوريين.
في يوليو، كانت هناك تقارير تشير إلى أن المقاتلين التونسيين والليبيين تدفقوا إلى ليبيا بعد أن غادروا بلادهم للاشتباك عسكريا في سوريا قبل عامين فقط، وهم متشددون أصوليون من بينهم مقاتلون من هيئة تحرير الشام، التابعة لتنظيم القاعدة.
لم تعد المناطق الاقتصادية الحصرية في البحر المتوسط العذر الوحيد للتدخل التركي، فقبل سقوط نظام القذافي، كانت تركيا منخرطة بشدة في صناعة الطاقة الليبية، وقبل عام 2009، كانت ليبيا قد لبت 13.6% من احتياجات النفط الخام لتركيا.
إلى جانب لعبة الطاقة، فإن بصمة تركيا في ليبيا هي جزء من سياستها العثمانية الجديدة، ويقدم المسؤولون الأتراك المساعدة للجماعات المتشددة والدول التي تتداخل أيديولوجياتها مع أيديولوجيات أنقرة.
استعراض قوة
ما فعلته تركيا في كل من ليبيا والبحر الأبيض المتوسط أثار شيئا أكثر من مجرد رد دبلوماسي. خلال الأشهر الأخيرة شهد البحر الأبيض المتوسط استعراض أنقرة القوي للقوة، وحصلت سفن المسح التي ترفع العلم التركي على حراسة عسكرية أثناء قيام جيش الدولة بإجراء تدريبات في مياه البحر الأبيض المتوسط.
وقع حادث بحري مزعج بين الدول الأعضاء في الناتو هناك عندما حاولت فرقاطة فرنسية تفتيش سفينة شحن ترفع العلم التنزاني يشتبه في قيامها بتهريب أسلحة إلى ليبيا، بينما قامت سفينة تركية باستهداف رادار السفينة الفرنسية ثلاث مرات، وقال الناتو إنه بدأ تحقيقا رسميا في القضية. نفذت قبرص واليونان وفرنسا وإيطاليا تدريبات عسكرية جوية في المنطقة البحرية، بينما أجرت مصر مناورات بحرية قبالة الحدود الليبية مباشرة، علاوة على ذلك، من المتوقع أن تجري الولايات المتحدة واليونان تدريبات عسكرية مشتركة.
وفي ليبيا، رسمت مصر خطا أحمر قائلة إنه إذا تجرأ مرتزقة مدعومون من تركيا على عبوره، فإن القوات المصرية ستتدخل في البلاد، وقد يتصاعد الصراع الليبي إلى ما بعد الحرب بالوكالة بين مصر وتركيا.
التدخل في الصومال
تمتد بصمة تركيا في الصومال إلى أبعد من منطقة الإمبراطورية العثمانية السابقة، وعلى عكس ما حدث في ليبيا، بدأت بدواع إنسانية قبل أن تعزز تركيا تعاونها العسكري والتجاري، ومع جهود بناء الدولة ادعت تركيا مساعدة الصومال على القضاء على المجاعة، وكان إردوغان أول رئيس غير أفريقي يزور البلاد منذ عقدين. ما تلا ذلك كان تدريب تركيا العسكري للجيش الصومالي بالإضافة إلى المساعدة في شراء عتاد عسكري.
وفي الصومال، أقامت تركيا أيضا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج، وأغرقت البضائع المصنوعة في تركيا السوق الصومالية بينما شقت الشركات التركية طريقها إلى عدد من قطاعات الأعمال في البلاد، بما في ذلك بناء الطرق وسوق الأدوية، علاوة على ذلك، فتحت تركيا جامعاتها للطلاب الصوماليين.
ورأت أن ما يمكن أن يحافظ على سياستها تجاه الصومال هو منشأة بحرية مدنية وعسكرية في جزيرة سواكن السودانية، وهي ميناء عثماني مدمر، من المرجح أن تمضي أنقرة قدما في هذا على الرغم من الميل الثوري في السياسة الداخلية للسودان.
وحسب التقرير، يبدو أن مصر هي التي تشكل تهديدا أكبر لأنقرة، بعد أن تعهدت تركيا بدعم جماعة الإخوان الإرهابية، وأصبحت علاقاتها مع مصر في أسوأ حالاتها منذ الستينات عندما اتخذت أنقرة موقفا ضد الإيديولوجية السياسية الناصرية العربية، يبدو أنه ليس من قبيل المبالغة الإشارة إلى أن مصر وتركيا في الواقع على شفا صراع مسلح مباشر في مناطق الصراع.
لماذا تحارب تركيا من أجل الطاقة؟
- 100 % نسبة استيرادها للغاز الطبيعي
- 53 % من احتياجات الغاز التركي توفرها روسيا
- 17 % من احتياجات الغاز تغطيها إيران
- 29 % من طلبات تركيا للطاقة تأتي من العراق
- 18 % من حاجة تركيا للطاقة من روسيا