عبد الرحمن غرمان الشهري

قيادة الأزمات الكبرى

الأربعاء - 07 أكتوبر 2020

Wed - 07 Oct 2020

تتنوع الأزمات وتختلف أدوات ووسائل قيادتها وإدارتها، وتشترك في خصائص ثابتة علميا وعمليا، يمكن حصرها في مولدها المفاجئ وتسارعها وبلوغها ثم وفاتها، من أكثر الأزمات حدوثا وحدة انتشار الأوبئة والفيروسات، ويحكم قيادتها مدى السيطرة عليها.

الأزمة حدث مفاجئ ومتسارع جسيم التهديد، يترتب على تفاقمها آثار فردية وجماعية هائلة ومربكة، وقد تصل حدتها إلى درجة تضر بالأمن الوطني أو القومي، ومعالجتها فن وعلم ولذلك طرقه وأساليبه المنهجية، ولا بد عند معالجتها من الوضع في الاعتبار عملية تسارعها وانتشارها، وأن تكون المعالجة بوتيرة متسارعة تباريها، على الرغم من شدة بعض تدابير التعامل مع الأزمات، وذلك مفتاح النجاح لمواجهتها، وأزمة كورونا العالمية التي تمر بنا حاليا أزمة عالمية كبرى تتطلب معالجتها عزيمة وقرارات على مستوى القيادة العليا.

من الناحية التنظيمية داخليا في إطار معالجات الأزمات تشكيل لجان أو فرق عمل بمهام محددة تتكامل في عملها لموجهة الأزمة على أكثر من مستوى، الإجراءات التي اتخذتها المملكة خلال جائحة كورونا المستجد أسُسها الاستراتيجية مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين رعاه الله بتاريخ 24 / 7 / 1441 هـ التي أكد فيها أن صحة الإنسان وسلامته هدف استراتيجي، وحرصه على توفير ما يلزم المواطن والمقيم من دواء وغذاء واحتياجات معيشية، وفي السياق نفسه أمره بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع للتعامل مع الأزمة، وتشكيل لجنة برئاسة وزير الصحة لاتخاذ الإجراءات الضرورية ورفع تقارير يومية، واقترحت عددا من الإجراءات التي تمت الموافقة عليها ومنها تعليق الدخول إلى المملكة لأي سبب ديني أو تجاري أو سياحي و الدراسة وصلاة الجمعة والجماعة في المساجد، وسفر المواطنين والمقيمين، وإغلاق المجمعات التجارية، وتقديم الرعاية الصحية، وإصدار برامج توعية صحية، ورأت اللجنة المتخصصة رفع بعض الإجراءات كالسفر بين المناطق ومنع التجول، وصدرت الموافقة السامية على ذلك.

وخارجيا صدرت التوجيهات لوزارة الخارجية بتسهيل عودة المواطنين الفضلاء أينما كانوا إلى أرض الوطن برحلات جوية خاصة مجانية مع تأمين السكن والإعاشة، وتكليف فُرق عمل لتقديم المساعدة والعون تحت ضغوط عمل شديدة، وكان للدبلوماسيين السعوديين شرف مساعدة إخوانهم المواطنين، وهو مبدأ دائم رسمته قيادتنا الرشيدة، حظي هذا المبدأ بإعجاب وإشادة عدد من المختصين على مستوى العالم خلال اللقاء الأول لمسؤولي الرعايا على مستوى وكلاء وزارة الخارجية الذي عقد في المملكة المتحدة ، أشار عدد من المشاركين إلى أن دولهم لا تقدم مثل هذه الخدمة المجانية خلال الأزمات.

وعالميا دعت المملكة إلى قمة افتراضية لمجموعة دول (العشرين) برئاسة خادم الحرمين الشريفين، أكد خلالها أهمية حماية الإنسان، وأن الأزمة تتطلب استجابة عالمية والوحدة والتضامن في مواجهتها، وحفظ التدفق الطبيعي للسلع والخدمات للعالم، تبرعت المملكة خلاله بأكثر من خمسمئة مليون دولار، وتلا القمة عدد من الاجتماعات الوزارية والمتخصصة.

التوافق بين متطلبات قيادة الأزمة وما اتخذته المملكة بتوجيهات كريمة من إجراءات وقائية واحترازية وعلاجية جاء بأسلوب قيادي سريع ومبادر، فنجاح مواجهة الأزمة والتقليل من آثارها لها وجسامة تهديدها يعتمد على سرعة التعامل والسيطرة منذ ولادتها بتدابير وقائية عاجلة وتطبيقها كمنع التجول الذي لم يسبق أن عهدناه في ظل الأمن الوارف الذي نعيشه، بذلك تكون الأزمة بدأت الاتجاه نحو الاضمحلال ثم وفاتها كأي أزمة مماثلة مر بها العالم، والاستفادة من التجربة في معالجة أي خلل يرصد خلال المعالجة مستقبلا، وهو أمر بات واضحا للعيان، دام عزك يا وطن.