عبدالله الأعرج

سامي.. الشاب السعودي المتسامي!

الاحد - 04 أكتوبر 2020

Sun - 04 Oct 2020

عام 1421 التحقت بدورة فن التعامل مع المراجعين في معهد الإدارة العامة موظفا، وعدت هذا العام لدورة التعامل مع ضغوط العمل وأنا في موقع إداري.

كثير من الأحداث تعاقبت عليها السنين وبقي - في تقديري كمتدرب - معهد الإدارة IPA لامعا لم تغيره الليالي ولم تذهب بوهجه الأيام، فكان من ضمن ما ألهمني في هذه الحلقة التطبيقية قصة مدربنا الشاب سامي.

كانت الحلقة جميلة بمحتواها ومدربيها ومتدربيها من مناطق مختلفة من المملكة، وكان سامي يقتنص كل فرصة في المحتوى التدريبي للحديث عن معركته مع ضغوط الحياة، وكيف كانت له الغلبة عليها، وعيناه تلمعان بنشوة الإنجاز المستحق، مع يقيني أن ابتسامته التي توارت خلف قناع الوجه كانت بذات القدر من الابتهاج بما تحقق له!

ففي المرحلة الثانوية وقعت مشاجرة بين طلاب الصف الأول الثانوي ووجد سامي نفسه وسط معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، مما كلفه أسبوعا خلف القضبان كان كفيلا بإعادته لحساب تبعات الأمور، فخرج بعدها وقرر أن يعمل في شركة مطاعم مشهورة رفضت في البدء التحاقه بها لصغر سنه، حيث إنه لم يجاوز 17 خريفا وقتها، حينها سافر سامي من مدينته يحدوه الأمل إلى مدينة المركز الرئيسي للشركة والتقى بمديرها العام، ملحا عليه في أنه أهل لثقته وأن الأمر لا يعدو عاما واحدا لحين أهليته للعمل!

التحق سامي بالوظيفة عاملا بالمطعم يقوم بمهام النظافة والغسيل وتقطيع الدواجن وترتيب المطبخ، معرضا صفحا عن استهزاءات الرفاق وقدح الأقران وأعراف المجتمع حول هوان الوظيفة وتواضع الدخل الذي لم يتجاوز 1500 ريال في حينه، ثم تدرج سامي في عمله محاسبا فمشرفا على الفريق ثم مديرا للمطعم بمرتب بلغ 8 آلاف ريال، وكان التحدي الحقيقي أن سامي يقضي 9 ساعات في المطعم وبين 6 و7 ساعات في المدرسة، مما يعني ذهاب ثلثي يومه علما وعملا.

أنهى الشاب المجد مرحلته الثانوية بتفوق واتجه للجامعة جامعا بين العمل بالمطعم والدراسة، الأمر الذي أثار شفقة والده وهو يراه يقضي كل هذا الوقت مضافا له 3 ساعات أخرى لدراسة اللغة الإنجليزية ليتبقى له من ليله ونهاره 4 ساعات لا يكاد يؤوي فيها لفراشه بلباس المطعم حتى يستيقظ لمحاضرات الجامعة!

وها هو العزم ما انفك يأتي على قدر أهل العزائم، فبعد أن تخرج سامي في الجامعة كان قد جمع مبلغا جيدا من المال يوازي كفاحه وصبره على مغريات ومتع الحياة آنذاك، وكان أيضا يمتلك خبرة 7 سنوات من العمل الجاد والرصين كما وصفه، ودورات تدريبية تربو على 19 دورة في مجال الأعمال!

التحق سامي بعد تخرجه بمعهد الإدارة معيدا، وتم ابتعاثه للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الإدارة العامة، فكانت دورات اللغة الإنجليزية التي حرمته لذة النوم خير رفيق له في اجتياز برنامج اللغة في وقت لم يتجاوز بضعة أشهر، وأنهى دراسة الماجستير في أوهايو بتفوق في مدة لم تتجاوز عاما ونصف العام في حين كان البرنامج أطول من ذلك!

ولأن الشباب الصالح والعمل المبارك لا يقفان عند حدود الجهد البدني، بل يتعديانه إلى العطاء اللامحدود أسريا وإنسانيا، فقد بادر سامي وهو وسط هذا الزحام مع الحياة دون تردد بالتبرع لشقيقته بكليته، لتكون رسالة للمجتمع أن الجود بشيء من النفس أقصى غاية الجود!

كنت وزملائي القياديين في الحلقة التطبيقية نستمع لسامي بإعجاب، وكنت أحرص على تدوين بعض ما يورده من قصص لأتقاسمه في المساء مع أهل بيتي وأصدقائي، وأوصي زملائي بنقل مثل هذه التجارب لهذا الشاب المكافح لأبنائنا المقبلين على العمل بعد تخرجهم في محاضن التدريب والتعليم، ولا سيما أن البعض يعتقد أن الشاب السعودي لا يقوى على مجابهة التحديات والصعاب بعزم يفل الحديد، بل إن البعض بات يراهن على أن أحد أسباب ضعف أعمالهم مردها لتوطين الوظائف وسعودة الأعمال!

ولأننا نحتفل بتسعين عاما لوطن الخير، أقول لهؤلاء المثبطين: دونكم قصة سامي، وفي الوطن آلاف مثل سامي، كلهم متسام في أخلاقه وعمله وطموحه، كلهم ينتظر فرصته لخدمة بلده، كلهم يتأهب لبناء حضارة قوامها الإيمان التام أن البلدان تبنى بأيدي أهلها وعرق ناسها وجهد بنيها وبناتها، فليجدوا من كل واحد منا العون بالنصح والدعم والتوظيف والثقة والتمكين، وحينها سيكون كل شيء كما نريد وسنحلق بالوطن إلى العالم الجديد!

dralaaraj@