عبدالله العجلان

هل حان الوقت للائحة جديدة لحوكمة الشركات؟

الاحد - 04 أكتوبر 2020

Sun - 04 Oct 2020

الإنجازات التي حققتها لائحة حوكمة الشركات التي أصدرتها هيئة السوق المالية في 2017 وأجرت تعديلات عليها في 2019 اتضحت في تميز السوق السعودي في عدة جوانب، منها أن السعودية أصبحت الثالثة عالميا في معيار حماية المستثمرين الأقلية، وفي المرتبة 25 في مجال إتاحة رأس المال الجريء للأعمال، وكذلك وصول المملكة للمرتبة 24 في معايير التنافسية العالمية.

لكن لأن المملكة العربية السعودية هي أكبر سوق لرأس المال في المنطقة من حيث القيمة السوقية، لأن ومع التطور المتسارع الذي يشهده القطاع المالي في المملكة العربية السعودية لتحقيق متطلبات برنامج تطوير القطاع المالي في الرؤية، ومع قرب اعتماد نظام جديد للشركات، أصبح من الضروري أن يتم تقييم لائحة حوكمة الشركات، وأن يتم إصدار لائحة تتوافق مع ما تشهده السوق المالية والشركات المدرجة فيه من تغييرات، وبالتحديد النقاط الخمس التالية:

01 الفقرة (أ) من المادة 17 من اللائحة تحدد الحد الأعلى لأعضاء مجلس إدارة شركات المساهمة بما لا يزيد عن 11 عضوا، وهذا سيتعارض مع المادة الرابعة والسبعين من النظام الجديد للشركات، والتي تسمح للمساهمين تحديد الحد الأقصى لعضوية مجلس الإدارة في نظام الشركة الأساس.

02 حان الوقت لتحويل العديد من المواد الاسترشادية في اللائحة لتكون إلزامية، وذلك لأهميتها في ملاءمة التطورات التي تشهدها السوق المالية حاليا. فعلى سبيل المثال:

• شروط عضوية مجلس الإدارة كما نصت عليها المادة الثامنة عشرة من اللائحة لا بد أن تتحول من استرشادية إلى إلزامية، وبالذات شرط القدرة على القيادة وشرط المعرفة المالية، إذ لا يمكن أن يرتفع أداء الشركة إلا بالتحقق التام من أن أعضاء مجلس الإدارة لديهم القدرة على قيادة الشركة لتحقق أهدافها من خلال تطبيق أفضل الممارسات في اتخاذ القرارات. أيضا لا يمكن أن يرتفع أداء الشركة إلا بوجود أعضاء مجلس إدارة لديهم قدرة على قراءة واستيعاب التقارير المالية، والتي ستساعدهم على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، ولا سيما أن اللائحة نفسها في المادة الثانية والعشرين تُلزِم مجلس الإدارة بأن يقوم بالإشراف على إدارة مالية الشركة، وتدفقاتها النقدية، وعلاقاتها المالية والائتمانية مع الغير، وأن يتأكد من سلامة الأنظمة المالية والمحاسبية، بما في ذلك الأنظمة ذات الصلة بإعداد التقارير المالية، وأن يحدد مجلس الإدارة الهيكل الرأسمالي الأمثل للشركة واستراتيجياتها وأهدافها المالية، ويعد القوائم المالية الأولية والسنوية للشركة. وكل هذا يحتاج إلى القدرة على قراءة البيانات المالية وتحليلها.

• إلزام الشركات بحماية العاملين فيها وتنظيم العلاقة بينها وبين عملائها والموردين لها من خلال سياسات واضحة سيخفف من نسبة المنازعات بين الشركات وهذه الأطراف. وهذا بلا شك سيساهم في تعزيز الاستقرار في السوق المالية ويحقق الهدف الأساس من اللائحة، والذي هو كما جاء في المادة الثانية «ضمان الالتزام بأفضل ممارسات حوكمة الشركات التي تكفل حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح»، لكن اللائحة الحالية لا تُلزم الشركات بكتابة إجراءات واضحة تنظم العلاقة بينها وبين عملائها والموردين لها وتحمي العاملين فيها من التمييز، لأن المادة الثالثة والثمانين من اللائحة هي مادة استرشادية وليست إلزامية، وهذا يتعارض أيضا مع الهدف السابع من أهداف اللائحة، وهو «وضع الإطار العام للتعامل مع أصحاب المصالح ومراعاة حقوقهم».

• إذا كان بناء القدرات واحدا من محاور الخطة الاستراتيجية لهيئة السوق المالية فإن المادة الخامسة والثمانين من اللائحة، والتي تلزم الشركات بوضع برامج للتحفيز لا بد أن تتحول من استرشادية إلى إلزامية، إذ لا يختلف اثنان على أن التحفيز والاستماع لآراء العاملين في الشركة يعتبر عنصرا أساسيا لنجاح أي عمل مؤسسي. ربما من غير الممكن إلزام جميع الشركات ببرامج منح العاملين أسهما في الشركة أو نصيبا من الأرباح ـ كما نصت عليه المادة- لكن ترك المجال للشركات لاتخاذ الإجراء الملائم لتحفيز العاملين فيها هو المهم.

• المادتان السابعة والثمانون والثامنة والثمانون من اللائحة واللتان تُلزمان الشركات بالقيام بالمسؤولية الاجتماعية وتحقيق الأهداف التي يصبو لها المجتمع هما مادتان استرشاديتان، وبالتالي إذا لم تقم الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع الذي جنت منه الأرباح، فإن الشركة لا تعتبر مخالفة للائحة ولا يجب على أعضاء مجلس الإدارة توضيح أسباب ذلك. وهذا مخالف لأفضل الممارسات العالمية في حوكمة الشركات، والتي تؤكد أن إلزام الشركات المدرجة بالقيام بمسؤوليتها الاجتماعية يرفع من أداء الشركة ويُعزز ثقة المجتمع بتلك الشركات. أيضا أثبتت دراسة حديثة لأداء الشركات المدرجة في السوق السعودية خلال العشر سنوات الماضية أن الشركات التي التزمت بمسؤوليتها تجاه المجتمع ارتفع معدل صافي أرباحها كنسبة من حقوق المليكة بنسبة 38%.

والسؤال الأهم هنا أننا إذا قرأنا هذه المواد الاسترشادية مع ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة التسعين، والتي تُلزم الشركات بالإفصاح عن أسباب عدم تطبيق أحكام اللائحة فهل ستقتنع هيئة السوق المالية أن يكون السبب هو أن هذه المواد استرشادية ليست إلزامية؟ إذا كان الجواب نعم فلماذا تتم إضافتها في اللائحة ابتداء؟

03 لا شك أن ضمان استقلالية أعضاء مجلس الإدارة ومنحهم الحق في التصويت على القرارات بموضوعية وحياد هما أفضل الوسائل لرفع أداء الشركات. ولا شك أيضا أن استقلال عضو مجلس الإدارة يتنافى مع أن تكون له صلة قرابة مع أي من أعضاء مجلس الإدارة أو كبار التنفيذيين في الشركة، كما جاء في الفقرتين الثالثة والرابعة من الفقرة (ج) من المادة العشرين، لكن بحسب اللائحة فإن مصطلح (صلة القرابة) لا يدخل فيه أقارب الدرجة الرابعة (الأعمام والعمات والأخوال والخالات). والعارف بتركيبة المجتمع السعودي يجزم بوجود عدد من مجالس الإدارات يحتوي على أقارب من الدرجة الرابعة، ومن هنا يأتي السؤال عن مدى استقلال عضو مجلس الإدارة في هذه الحالة. فعلى سبيل المثال إلى أي مدى سيستقل عضو مجلس الإدارة إذا كان رئيس المجلس هو عم أو خال ذلك العضو؟ ولذا إذا كانت اللائحة تهدف إلى «توفير أدوات فعالة ومتوازنة للتعامل مع حالات تعارض المصالح» كما جاء في المادة الثالثة، فإن مصطلح (صلة القرابة) يجب أن يشمل الأعمام والعمات والأخوال والخالات.

04 نظام الشركات الجديد سيلغي متطلب الاحتياطي النظامي لرأس المال، وبالتالي فإن الفقرة (أ) من المادة التاسعة لا بد أن تعدل لتتوافق مع النظام الجديد.

05 لائحة حوكمة الشركات والدليل الاسترشادي للشركات المدرجة لا يقدمان إرشادات عملية تساعد الشركات على الالتزام بأحكام اللائحة. ولأن في اللائحة مواد كثيرة تحتمل أكثر من تفسير، فإن الإرشادات العملية ستسهل

على الشركة الالتزام بأحكام اللائحة. فعلى سبيل المثال:

• الفقرة (ب) من المادة العشرين تُلزِم مجلس الإدارة أن يُقيّم مدى استقلال كل عضو فيه، وأن يتأكد من عدم وجود علاقات أو ظروف تؤثر أو يمكن أن توثر في استقلال أعضائه. لكن السؤال هنا: كيف يمكن لمجلس الإدارة أن يقوم بذلك؟ وإلى أي مدى سيتمكن مجلس الإدارة من الالتزام بهذه الفقرة؟

• على الرغم من أن المادة السادسة عشرة نصت على نسبة الأعضاء غير التنفيذيين والمستقلين في مجالس الإدارة إلا أن اللائحة لم تتطرق إلى تحديد دور الأعضاء المستقلين، ولا سيما إذا عرفنا أن الهيئة تعمل على تعزيز دور الأعضاء المستقلين كما جاء في الهدف الاستراتيجي التاسع لخطة الهيئة فإنه من الضروري وجود إرشادات عملية توضح دور العضو المستقل في مجالس إدارة الشركات.

وأخيرا فإنه إذا كان الهدف أن ُنصبح السوق الرئيسية في الشرق الأوسط ومن أهم عشرة أسواق مالية في العالم فإنه حان الوقت لإلزام الشركات المدرجة في السوق الموازي (سوق نمو) بلائحة حوكمة الشركات وإضافة معايير مهمة، مثل معايير الاستدامة البيئية ومعايير الحوكمة في إدارة المعلومات والممارسات الرقمية للشركات، وكذلك معايير ترفع من نسبة وجود العنصر النسائي في عضوية مجالس الإدارة، والذي يتوافق مع مبادئ دول مجموعة العشرين ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وكذلك هو أحد أهداف شركة السوق المالية السعودية (تداول). وبالنظر إلى آخر إحصائية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن النساء لا يشكلن إلا 7% من عضوية مجالس الإدارة في الشركات المدرجة، وهي نسبة قليلة جدا مقارنة بعدد كبير من دول المنطقة.

AbdulAlajlan3@