أحمد الهلالي

ناطحات الإيمان (الهشة) في فضاء الجهل المركب!

السبت - 09 يوليو 2016

Sat - 09 Jul 2016

أنزل الله كتابه الكريم معجزة خالدة، وأمرنا بالتعبد بتلاوته وتدبره واتخاذه منهاج حياة، وقد أودع الله هذا الكتاب الحكيم آيات بينات تدعونا إلى تدبر الكون بعظمته ودقائقه، لكن عجزنا العلمي، أبقانا على ضفاف الحياة في هذا العصر، ولم نلج بعد إلى لبها وجوهرها، ولا نزال نتجادل حول قضايا (الإيمان)، ولا أشك أننا بعيدون عنه أيضا، فلا تغركم (مانشتات) الدعاة عن دخول الآلاف في الإسلام، بل التفتوا إلى تكاثر الملحدين بينكم وارتفاع أصواتهم!

علماؤنا اليوم هم أول صور عجز أمة القرآن، لكنهم لا يعلنون عجزهم، ليس جهلا، بل ظنا منهم أنهم بلغوا أعلى مراتب الإيمان، وأنهم ليسوا معطلين لأدمغة الناس، ولعلمي بأن لحومهم (مسمومة!) كما أقنعونا، فسأذكر الله كثيرا وأعوذ به من ذلك (السم) وأستعرض بعض صور العجز التي تعصف بمنظوماتنا العلمية (الشرعية).

أول صور العجز، حين يتوصل العلماء الطبيعيون التطبيقيون إلى فك لغز من ألغاز الكون أو النفس أو الأحياء، يتبارى علماؤنا في التهوين من شأن المكتشف العلمي، ثم يبحثون في القرآن أو السنة المطهرة عن أصل له أو تأويل قريب، فيقولون بلغة الواثق «هذا معلوم عندنا من 1400 سنة»، وهم لا يعلمون أنهم يعلنون عجزنا عن إفادة البشرية بما لدينا من إشارات علمية مهمة، نغفل عنها حتى يكتشفها الآخر!، ولن أحدثكم عن التحوطات والاستنفار الشرعي حول كل منجز علمي أو تقنية!

ومن صور العجز (الإعجاز العددي في القرآن)، فقد قفز بعض الباحثين الشرعيين إلى اعتبار اللطائف إعجازا في توافقاتها مع المعلومات الإنسانية المعروفة عن عدد الأيام والشهور والسنين وغيرها، ثم أوغلوا إلى درجة الخروج عن المنهج العلمي، فأرغموا الأعداد والتكرارات والمترادفات وأرقام الصفحات القرآنية لموافقة النتائج التي آمنوا بها قبل البحث، ويكفيكم الاطلاع على كتاب (رسم المصحف والإعجاز العددي) د.أشرف بقنة، وهو دراسة نقدية لعدد من كتب الإعجاز العددي.

ومن صور العجز أيضا كثرة الرقاة والمسترقين، فمعظم الحالات المرضية التي تقصد الرقاة من جنس (النساء)، ونعلم معاملة مجتمعاتنا للمرأة، وجل حالاتهن ليست جنا ولا عينا ولا سحرا، بل يعلم النفسيون أنها انفعالات نفسية تحتد حتى تؤثر على الجسد، لكن القوم ممعنون في اعتبار كل حالة مرضية مرتبطة بقوى غيبية، فأخضعوا علم النفس للمفاهيم الدينية، حتى صار الاكتئاب مسا، والرهاب سحرا، والصرع جنونا وتخبطات شيطانية!

كذلك من صور العجز العلمي، البحث عن قدرة الخالق العظيم في تصرفات البهائم وأشكالها، فهذه بقرة شكّل لونها ما يشبه لفظ الجلالة، وناقة تصلي مع صاحبها، وجرادة كتب على جناحها (جند الله)، وصخرة راكعة، وشجرة ساجدة، وسحابة تشابه اسم (محمد)، وهذه الخرافات التي ملأت أدمغة الناس جهلا، وصرفتهم عن (التفكر الحقيقي) الذي دعا إليه القرآن في مواطن كثيرة، في ركون عجيب إلى الدعة والجهل، وصمت رهيب من العلماء.

ومن صور الجهل التي منيت بها هذه الأمة، اعتبار العواطف التي آمنوا بها مسلّمات، فرأينا شيخا يقرأ القرآن على لا ديني أعجمي، وبعدها يرتل كلاما عاديا بطريقة التلاوة، فتكون النتيجة عكسية حين مال الملحد الأعجمي إلى الثانية! وكذلك تداول الدراسة (اليابانية) التي تثبت أن جزيئات الماء تأثرت بالتلاوة، فاستغلت محال العطارة اليوم هذه العواطف لتضع ملصق (مقري عليه) على كل منتجاتها، حتى صابون الاستحمام والشامبو!

نمتلك اليوم جامعات ومراكز أبحاث تصرف عليها المليارات، لكن الأدمغة التي تشغّلها غالبا ترزح في غابات العواطف، وتستغشي المسلّمات التراثية، فلا تخضع شيئا للبحث العلمي الحقيقي المتجرد من كل شيء غير بلوغ الحقيقة، فنحن يا قوم مسلمون جميعا، لكن ما فائدة إسلامنا إن لم يبلغ (اطمئنان) إبراهيم، ويصبح منارا ملهما للبشرية، فليس من المعقول أن نظل رازحين تحت أقدام الجهل، محصورين في أطر صنعناها بأنفسنا، بينما العالم يبحث عن كواكب أخرى لإعمارها والإفادة منها، فكيف سيكون حالنا إن رحلوا وتركونا في مهامه الجهل غرقى؟!