دلال العريفي

فلسفة السعادة في العمل

السبت - 03 أكتوبر 2020

Sat - 03 Oct 2020

ليست السعادة فلسفة بقدر ما هي قضية من القضايا الإنسانية الكبرى التي تناولتها الأقلام، وتحدثت عنها القبائل والشعوب، مما أنتج مفاهيم وفلسفات متعددة. ولأنها من المسائل المرتبطة بالمشاعر الإنسانية والحالات النفسية، صار الاتفاق على تحديد مفهوم دقيق للسعادة أمرا بالغ الصعوبة.

فالإنسان بطبيعته وظروفه النفسية وخلفيته الاجتماعية يختلف تماما عن غيره، وما يجعله سعيدا ليس بالضرورة أن يسعد الآخرين.

وأعتقد أننا لو حاولنا أن نتعرف على «فلسفات» الناس عن السعادة، ثم حاولنا أن نلملم خيوط فلسفاتهم لخرجنا بنسيج جميل يقدم السعادة على أنها حالة من التوازن الداخلي، يسودها عدد من المشاعر الإيجابية كالسرور والطمأنينة والبهجة، تنبع وترتبط بالأركان الأساسية للحياة مثل الأسرة والعمل والعلاقات.

وهذه السعادة لا يتوقف أثرها على مجرد الشعور بالسرور وراحة النفس، لكنها تبعث طاقة إيجابية لدى الإنسان تجعله مقبلا على العمل والحياة بشكل عام. لذلك ليس من المبالغة القول إن البحث عن معنى السعادة قد لا يكون كافيا بحد ذاته، دون التطرق لسعادة الإنسان في عمله. وما ذاك إلا لأن الإنسان الطبيعي يقضي جزءا من عمره في عمله ويتأثر بظروفه. وكما أن الإنسان يتعافى ويمرض بمن حوله، فالأمر نفسه ينطبق عليه في بيئة عمله، فقد تزدهر روحه وتتضاعف إنجازاته بسبب عمله وربما تلاشت بسببه أيضا.

والسعادة بالعمل ليست ترفا إداريا، والتعمق في فهم الممارسات السعيدة لا يعد من الكماليات الوظيفية بقدر ما هو باب من أبواب التطوير المؤسسي، والارتقاء بمستويات الأداء والإنجازات، وعاملا من عوامل النجاح بشكل عام لجميع المستفيدين، أفرادا كانوا أو مؤسسات.

هناك فلسفة تقول إن السعادة في بيئة العمل هي أن تدخل المؤسسة السرور على الموظفين بها، وذلك بالتركيز على المكان والموظفين والمتعاملين معهم، باعتبار أن كل هذه العناصر ترتبط وتؤثر ببعضها. وهناك فلسفة أخرى ترى أن سعادة الفرد في عمله قرار شخصي يتخذه الموظف، فيشعر بعاطفة قوية تجاه المؤسسة التي يعمل فيها، وحالة من الاندماج العاطفي والفكري.

من المنطقي أن نقتنع أن السعادة في بيئة العمل تنبع من الممارسات الإدارية السعيدة داخلها، فيشعر بها الموظف ويقدر وجودها، فيشمله من السعادة جانب ومن الاعتزاز بما يُقدم قدْر كبير. لكن الوصف الذي يقدم السعادة على أنها قرار شخصي يتخذه الموظف، ربما لا يتفق بعضنا معه ولا يقتنع به.

شخصيا لا أعتقد أن أي موظف يقرر أن يصبح سعيدا وراضيا في بيئة عمله، ستتهيأ له المؤسسة مباشرة وتتغير الممارسات فور اتخاذه قراره، فسعادته ليست إلا نتيجة لما يلقاه ويعايشه في محيط عمله، مع اعترافنا وإقرارنا بأن طبيعة الموظف وشخصيته وخلفيته تؤثر على ذلك كله، وأننا قد نجد موظفَيْن في مكان واحد وبالمزايا نفسها؛ أحدهما سعيد بعمله والآخر في شقاء من العمل نفسه.

وما دام الأمر يتعلق بالمشاعر والأحاسيس، فإن كيمياء السعادة في العمل ترتفع وتتشكل عبر ما تغرسه المؤسسة من ثقافة وقيم وممارسات، فثقافتها وسياستها وقيمها واحترامها وتقديرها للعاملين فيها، والروابط التي تجمع بينهم، كلها تحدد معدلات السعادة ومعادلاتها هناك.

والأمر الطبيعي اليوم أن كل مؤسسة تطمح إلى رفع الأداء لأفرادها تجتهد في غرس السعادة لديهم، بالتركيز على قيم عدة، من أهمها المصداقية والعدالة والاحترام وتقدير الجهود والتواصل الفعال معهم، وإشراكهم في الأمر، ومشاركتهم حتى في مناسباتهم الخاصة، خاصة في هذا العصر الذي تتزايد فيه الضغوط المهنية والنفسية على الموظفين، ولأسباب كثيرة لا تستوعبها هذه الأسطر.

@darifi_