بندر الزهراني

اليوم الوطني في المشهد الجامعي!

السبت - 03 أكتوبر 2020

Sat - 03 Oct 2020

كانت لافتة احتفالات الجامعات المحلية باليوم الوطني، فكل جامعة حرصت على أن تظهر بمظاهر احتفالية مختلفة عن الجامعات الأخرى، فمن توزيع للورود والحلوى في الحرم الجامعي وتزيين مداخل الكليات وشوارع الجامعة إلى تقديم بعض المشاهد والعروض المرئية القصيرة على الشاشات العملاقة داخلها.

كذلك حرصت الوزارة على إبراز كل ما قامت به الجامعات من أنشطة وفعاليات، واهتمت بنشرها على حساباتها في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا بلا شك يعكس جانبا من فرحة المسؤولين واهتمامهم باليوم الوطني، ولا خلاف على هذه المشاعر الوطنية الفياضة، إطلاقا، بل يشكرون على جهودهم في إقامة مثل هذا النوع من الاحتفالات.

الإحساس بقيمة الوطن، وبما فيه ككيان واحد، لا يأتي إلا محملا بمشاعر الحب وعمق الانتماء، ولذلك نحن هنا لا نلوم أحدا بشخصه أو جهة بعينها على مجهوداتهم في إظهار مشاعرهم الوطنية النبيلة، وبأي وسيلة كانت، بل على العكس من ذلك تماما، ولكن كنا نرجو لو ارتقت الجامعات بالاحتفالات الوطنية نوعا وعرضا، وخاطبت الفكر والوجدان قبل محاولة لفت الأنظار، فطلبة الجامعات عادة ما تستوقف فضولهم الفكرة العميقة لا النظرة العابرة، والصورة المجسدة للمعنى لا تلك النمطية المعتادة، ودائما ما تقودهم الأفكار الجيدة إلى خلق حوارات بناءة ومثمرة.

ماذا لو فكرت قيادات الجامعات تفكيرا وطنيا راقيا، مختلفا عن المعتاد مضمونا وشكلا، وقررت فتح أبواب الجامعات في اليوم الوطني لاستقبال الزوار من كل مكان، سواء من المواطنين أو المقيمين، وحولت كل كلياتها ومرافقها الخدماتية إلى مسارح عروض مباشرة لإنجازات الجامعات نفسها! إنجازاتها على مستوى البنى التحتية والمعامل البحثية، ومراكز النشر والتأليف، بل حتى على مستوى التعريف بالشخصيات القيادية والأكاديمية في كلياتها ومراكز أبحاثها! أليست احتفالية كهذه أفضل ألف مرة ومرة من مجرد نفخ «البالونات» الخضراء وتعليقها في الأبواب المغلقة والزوايا المعطلة!

من يزور أي جامعة من جامعاتنا بغض النظر عن حجمها وموقعها، ويعاين ما فيها عن قرب، سيكتشف أن الدولة أعطت بسخاء لا نظير له، وبذلت كل ما يمكنها بذله ماديا ومعنويا، وهي إن أعطت وبذلت فمن أجل بناء أجود المباني والمرافق التعليمية، واستحداث أفضل القاعات الدراسية وأكثرها جمالا وتصميما، وتجهيزها بأحدث الوسائل الأساسية والتقنية، ووفرت كل ما يطلب منها دون تأخير أو تردد، وهي بلا شك تنتظر - ونحن معها ننتظر - ثمرات بذلها وعطائها واقعا ملموسا في تفوق وتميز أبناء الوطن وبناته، ويجب ألا يطول انتظارنا كثيرا.

ربما لو سنحت الفرصة لزائر أجنبي وزار حرم إحدى الجامعات المحلية لأصيب بالدهشة من فخامة المعمار وتزاحم الطلاب وجمال التصميم وروعة التأثيث، وربما تساءل كما نحن دائما نتساءل: أهكذا جامعاتهم وهم - إلا فيما ندر - خارج نطاق التغطية العالمية؟! إذن ما حقيقة مراكز التصنيف؟ الواقع أن أغلبية ما يقال من إنجازات تصنيفية ما هي إلا وهم، ولا يصدقها أو يروج لها إلا أصحابها والمتنفعون منها، ولو صدقوا فيما زعموا لفتحوا أبواب مكاتبهم ولقالوا للناس: هلموا، ها هي أعمالنا وهذه أبحاثنا، ولا بأس عندئذ من نفخ «البالونات» وإضاءة الممرات بالقناديل والشموع الخضراء!

أخبروني بالله عليكم؛ ما الفائدة من تصوير طالبين يغوصان مسافة متر أو مترين في البحر وهما يلبسان الشماغ والعقال ويحملان علم المملكة! أهكذا تحتفل الجامعة باليوم الوطني! طبعا لا، وعلى الرغم من أن هذا العمل بطولي لهذين الشابين المحبين لوطنهما، إلا أنه لا يرقى لأن يكون عملا مؤسسيا ترعاه الجامعة، ألم يكن بوسع الجامعة تقديم محاضرة توعوية على «الكورنيش» عن أهمية نظافة الشواطئ من المخلفات والاعتداءات البشرية! أو محاضرة لرفع مستوى الوعي عند الناس للمحافظة على الشعب المرجانية وحماية الحياة البحرية!

هذا النوع من الاحتفالات مع إيماننا بأن بواعثه حسنة إلا أنه لا يرقى للمستوى، عفوا، فهذه جامعات وليست مدارس متوسطة أو ثانويات! لنكن في مستوى الحدث وعلى قدر كبير من المسؤولية أمام الوطن وقياداته، حتى نكون كذلك فعلا فإنه - من وجهة نظري - ينبغي للجامعات في احتفالاتها بأيامنا الوطنية في قابل الأعوام تقديم عروض حية ومباشرة لما أنجزته كل جامعة خلال عام، ففي هذا يكون التحدي لتحقيق المعجزات، بجانب استذكار ما قدمه الآباء والأجداد من تضحيات ومنجزات!

drbmaz@