أحمد الهلالي

مصطلح (التوبة الفنية) وصمة ثقافية!

الثلاثاء - 29 سبتمبر 2020

Tue - 29 Sep 2020

صبغتنا المرحلة الصحوية بلون يتيم، فما يزال بعضنا ينظرون إلى الفنون بأنواعها (التشكيل والغناء والموسيقى والدراما والرقص) نظرة مشوهة، إلى درجة أن بعضنا يعتبرها رذيلة أو ذنبا، أو عيبا أو منقصة، فتجده يأنف أن يحضر بعض فعالياته أو مجالسه، فما بالك بأن يشارك فيه أو يؤديه فردا أو ضمن فريق عمل، وما يزال بعض رموز الوسط الفني يحتجبون خلف أسماء مستعارة، وبعض الهواة لا يستنكف أن (يتلثم) بشماغه كيلا يعرف أنه عازف أو إيقاعي أو ما شابه ذلك.

ما نزال نسمع في بعض مجالسنا، أو في بعض مجموعاتنا الالكترونية أصواتا تتهم الفنون، وتعتبرها الباب الأول للغضب الإلهي، وسببا من أسباب الضياع والتفكك والتحلل الأخلاقي، وبعضهم يراها أم الذنوب، ولا تسل عن التهكم بقولهم (ما معنى كلمة فنان)!! وينساق كثيرون بالموافقة الضمنية أو الصمت عن مثل هذا الطرح حتى من بعض محبي الفنون، وفي رأيي أن الصمت عن هذه الأطروحات جناية ثقافية من القادرين على التحدث، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

ما يجب أن تعيه الأجيال أن الفنون بأنواعها ليست ترفا ثقافيا، وليست ظواهر تنشأ بفعل حالة معينة ثم تختفي، بل هي حاجة إنسانية في كل المجتمعات الإنسانية، منذ الإنسان القديم، وكل فن من تلك الفنون يعد حالة تعبيرية تنفس من خلالها المجتمع سواء في الفنون الأدائية الجماعية، الرقص بأنواعه والتمثيل والموسيقى، أو الفنون الفردية كالرسم والغناء والنحت وما يشاكلها، ولكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية فنونه التي تناسبه وتلبي حاجاته التعبيرية، فللبدو الرحل وللقرويين المستقرين، ولأهل المدن فنونهم التي تناسب أحوالهم وحاجاتهم. توارثوها، فطوروا وأضافوا إلى بعضها، وربما استغنوا عن بعضها واستبدلوه بغيره.

إن النظر في الفنون بذهنية منفتحة، ومتحررة متجردة من الأفكار التي زرعها الصحويون في أذهان الأجيال السابقة، سيعطي ثماره، وهذا ما أراه يتحقق اليوم في مجتمعنا بفعل الرؤية الموفقة 2030، فقد بدأت حالات الخجل أو الشعور بالذنب أو العيب تخفت تدريجيا، وبدأت تظهر حالات جريئة، وأصبحت الأسماء المستعارة تنقشع عن مغنين وملحنين لم نكن نظن على الإطلاق أنها لأصحابها، في حين كان بعض الشعراء الغنائيين يتوارون خلف أسماء مستعارة.

اضمحل مصطلح (توبة الفنان)، وكل رجائي أن يختفي، فليس الفن ذنبا أو جرما حتى نعتبر اعتزاله توبة، ومن أبسط حقوق الفن بأنواعه ومحبيه، أن نطالب على الأقل في بلادنا بمحاسبة كل منبر أو وسيلة أو جهة إعلامية تطلق مصطلح (التوبة) على الاعتزال الفني، فجميعنا على اختلاف مشاربنا الثقافية وأيديولوجياتنا نستمتع بنوع من الفنون بشكل أو بآخر، ولا يصح أن نجرم الفن أو نعتبره ذنبا يستحق التوبة.

ahmad_helali@