دلال العريفي

القيادة وسحر المنصب

السبت - 26 سبتمبر 2020

Sat - 26 Sep 2020

«المنصب» كلمة سحرية تميل إليها أعين كثيرين في بيئات العمل. ويكون في أحيان كثيرة العتبة الأولى لممارسة القيادة، والتعرف على كيفية الارتقاء في المستويات القيادية الأخرى.

وبالحديث عن القيادة دعونا نتفق أولا أن «التأثير» هو جوهر القيادة. وأن القائد لا يكون كذلك إلا إذا كان مؤثرا وملهما لمن حوله، صانعا مزيدا من القادة في كل محيط تعبر فيه مراكبه. ثم دعونا نتفق ثانيا على أن القيادة لا يمكن حصرها في «منصب» أو «لقب» إداري، وإلا لكان نصف سكان الأرض قادة ومديرين.

الأمر لا يمكن ربطه بكرسي إدارة يمتلك من خلاله الشخص صلاحيات معينة بجهد ووقت محدودين. وحين حدد خبير القيادة جون ماكسويل مستويات القيادة، بدأها بالمنصب ووصفه بالمستوى الأدنى للقيادة. وفي كل أحاديثه عن القادة والقيادة يتأكد لي أن المنصب لا يمثل القيادة الحقيقية، حيث لا وجود للتأثير الحقيقي للقائد على موظفيه، بل إنهم يتبعونه لأنهم ملزمون بذلك، ومضطرون لأنه مدير عليهم، وبيده وصف وظيفي يمنحه عددا من الصلاحيات يمارسها أو بعضا منها، فيجعل الموظفين يتبعون توجيهات «المنصب» وأوامر «اللقب» التي يمتلكها وليس بسبب تأثيره عليهم.

وفي الوقت الذي تكون فيه المناصب فرصة ثمينة لتحقيق التطوير المهني والقيادي، ربما تكون أيضا فخا كبيرا لبعض المسؤولين، الذين ما إن يمروا على كرسي المنصب حتى يمكثوا فيه طويلا، ويقضوا باقي سنواتهم الوظيفية فيه. هذا ما يؤكده ماكسويل، حيث يقول إن 80% من القادة لا يغادرون المستوى الأول أبدا.

صحيح أن امتلاك اللقب والحصول على المنصب غالبا يكونان العتبة الأولى في سلم القيادة، لكنهما أحيانا يكونان العتبة الأولى والنهائية. لماذا؟ أظن أن السبب يكمن في أن المنصب ربما يكون خادعا أو خاذلا لبعض الأشخاص. قد يخدعهم المنصب حين يظنون أنهم بوصولهم إليه قد اعتلوا قمة هرم الطموح لديهم، أو ربما كان الأمر كذلك فعلا.

الفكرة الأسوأ أن هذا المنصب قد يكون قمة الهدف للمدير، وكأنه بالوصول إلى منصبه قد امتلك إمبراطوريته الخاصة. نعم ندرك أن المنصب في أي إدارة لا ينبغي أن يمنح إلا لمن يمتلك الجدارة القيادية الحقيقية التي تليق بذلك المنصب، ومن لديه حد أدنى من المهارات اللازمة تدعمه في تولي زمام مسؤولية التغيير والتطوير، ولمن لديه القوة والوعي التام بمسؤوليات ذلك المنصب تساعده لإنجاز ما ينبغي له إنجازه، لكن الأمر لا يكون كذلك دائما تحت سقف المؤسسات.

قد يحدث أن يعلق القائد طويلا في «المنصب» الذي ينبغي أن يكون بوابة لمراحل حقيقية للقيادة، يجد بها اللمسة السحرية لتأثيره كقائد. لكن القضية الأخرى أن المنصب يخذل صاحبه، ويقيد قدراته عندما يجد نفسه مصابا «بالانهماك» الشديد في الأعمال الروتينية والكتابية اليومية المملة التي تستولي على ساعات يومه الوظيفي، فينسى قصة القيادة والتطوير المهني بالنسبة له كقائد.

الجميل في مستوى المنصب أنه اختبار حقيقي لجودة القائد وكفاءته، وفيه تتكشف الهالة المزيفة للمنصب، أو تتجلى الشخصية القيادية المميزة. وبأسلوب العزيزة أوبرا وينفري فإن «ما أعرفه على وجه اليقين» أن المنصب لا ينبغي أبدا أن يكون أكثر من كونه مفتاح عبور إلى القيادة الحقيقية.

darifi_@