داليا قاسم

كيف نضمن جودة التعليم الالكتروني عن بعد؟

الاحد - 20 سبتمبر 2020

Sun - 20 Sep 2020

انتشرت في الآونة الأخيرة خلال جائحة كورونا مسألة طال فيها الحديث وتشعب حول نظام التعليم الالكتروني عن بعد، وتباينت ردود الفعل ما بين مؤيد ومعارض، وقد لمسنا من الميدان التربوي عند بداية الجائحة حالة الارتباك والعشوائية، فكان لا بد لكل المؤسسات التعليمية من إيجاد خطة مناسبة للتعليم خلال الأزمات أو ما يطلق عليه التعليم في حالات الطوارئ Education through crisis ‫فبعضها تمكن بالفعل من إيجاد الحلول المناسبة، وبعضها الآخر اعتقدَ أنه نجح وهو في حقيقة الأمر لم ينجح.‬

وبصفتي باحثة دكتوراه في مجال التعليم الالكتروني في جامعة Florida tech وماجستير تقنية التصاميم التعليمية من جامعة وسط فلوريدا، وخبرتي في العمل سابقا كاختصاصية تعليم الكتروني في جامعات أمريكية وسعودية؛ أود في مقالي هذا تسليط الضوء على جوانب مهمة.

ممارسات تقلل من جودة التعليم عن بعد

1 التركيز على استخدام الفصول الافتراضية وعمل الاختبارات الالكترونية، ونتصور بذلك إتقان عملية التعليم عن بعد.

2 سرد المعلومات عبر محاضرات تقليدية عن بعد. يجب أن نعي أن التعليم عن بعد يتمثل في دمج كل المصادر المعرفية والممارسات الملائمة لشد انتباه الطلاب وإشراكهم في العملية التعليمية.‬

3 نقل المحتوى من ورقي إلى رقمي وفي الغالب إلى عرض باور بوينت PowerPoint Presentation. والصحيح أن تقديم المحتوى يتطلب نوعا معينا من معايير التعليم الالكتروني (و‫هي مجموعة قواعد توجيهية لبناء وتصميم المحتوى الالكتروني، وتفعيل الممارسات المبنية على أسس ودراسات مختصة في المجال).‬

المنصة التعليمية و المحتوى التعليمي الالكتروني

‫لا بد أن نعلم أن لنجاح عملية التعليم عن بعد استراتيجيات ومتطلبات جودة حتى نطلق عليها «نظام تعليم فعال»، وأود أن أنوه بأنني لا أتحدث هنا عن نظام إدارة التعلم «LMS» أو ما يسمى المنصة الالكترونية مثل بلاك بورد ومودل، وكيفية استخدام أدواتها، فهي بالتأكيد منصات تدعم العملية التعليمية، وهي حجر الأساس. يمكن تشبيه المنصة بحقيبة السفر، وتشبيه محتوى الحقيبة بمحتوى عملية التعليم الالكتروني، ولا أتحدث هنا عن الحقيبة نفسها وجودة صنعها، بل أتحدث عن محتواها وما في داخلها وكيفية تنظيمها من الداخل، وما إذا كان محتواها يلبي احتياجات السفر أم لا، فالحال نفسه ينطبق على ما في داخل هذه المنصة، ألا وهو بناء وتصميم المقرر أو المحتوى التعليمي والممارسات والاستراتيجيات المستخدمة مع كل مادة دراسية وكل مرحلة عمرية بما يتلاءم مع عملية التعليم عن بعد.‬

العلاقة بين التعليم عن بعد وتقنية التصميم التعليمي

مصطلح التصميم التعليمي يعني أن لكل موقف تعليمي ما يناسبه من مواد تعليمية وطرق عرض للمحتوى الدراسي، وتحتاج هذه الجوانب إلى وضع مواصفات وخصائص خاصة حتى يمكن إنتاجها بصورة جيدة تزيد من فاعلية وكفاءة الموقف التعليمي وجودة ومخرجات التعليم.

لذلك لا بد أن ندرك أهمية توظيف تقنية التصميم التعليمي instructional design and technology في عملية التعليم الالكتروني عن بعد، حيث إنها من أهم عوامل نجاحه، وإن لم نحسن استخدامها فلن تقدم الكثير للعملية التعليمية وستعود بآثار سلبية على المتعلمين.

منهجية التعليم الالكتروني عن بعد

•‫ التعليم الالكتروني تخصص مستقل بذاته، له منهجية خاصة يتضمن استراتيجيات ومقومات وفق أسس علمية متوافقة مع المواصفات العالمية الصادرة عن المنظمات العالمية في مجال تقنية التعليم، ويتضمن خطة مناسبة له باستشارة خبراء ومختصين ويفضل ممن تتوفر لديهم خبرة بالتجارب العالمية في تصميم برامج التعليم عن بعد كالتجربة الأمريكية أو غيرها، ومن الصعب تصور نجاح عملية التعلم عن بعد إن لم تتم رؤية نموذج متقن بكفاءة تم تطبيقه بالفعل على أرض الواقع.‬

متطلبات نجاح عملية التعليم عن بعد


  • تصميم مقرر الكتروني باحترافية، التصميم المتمحور حول المتعلم لجذب انتباهه ومقابلة احتياجاته.‬



  • طريقة عرض المحتوى الكترونيا وما هي الطريقة الملائمة لكل مادة دراسية ولكل مرحلة عمرية.



  • التخطيط للمنهج الدراسي ليتناسب مع طريقة التعليم عن بعد مع الالتزام بتطبيق معايير الجودة.



  • معرفة طرق وبدائل مختلفة في التقييم الالكتروني.



  • الاستفادة من تطبيقات التقنية الحديثة لتقديم درس تفاعلي أو محاضرة تفاعليه.



  • معرفة عوامل نجاح التعليم عن بعد، وكيف يمكن التغلب على أهم مصاعبه كموضوع الغش وضعف الاتصال بالانترنت.






توصيات وحلول مقترحة

‫أثبت هذا التخصص نفسه خلال هذه الجائحة وأصبح بوابة كل تخصص، فجودة التعليم داخل المؤسسات التعليمية تعتمد اليوم على المتمكنين من تطبيق أعلى معاييره لضمان جودة التعليم ومخرجاته، أضف إلى ذلك أنه في حال تم إحداث الدمج لحضور ساعات معينة خلال الأسبوع أو حتى خلال الشهر، وهو ما يطلق عليه التعليم المدمج blended learning الذي ينادي به جميع الخبراء المختصين، ويجمع بين مزايا التعليم التقليدي والتعليم عن بعد، ويدعم النظرية البنائية في التعليم؛ فقد يكون هذا أحد أفضل حلول التعليم المقبلة. ‬

ونظرا لأن جائحة عالمية كجائحة كورونا أحدثت تبدلا في المفاهيم ولا نعلم ما يخفيه المستقبل؛ من المهم أن نكون مستعدين لأي طارئ، لهذا وضعت وزارة التعليم قرارات جديدة وجهود مثمرة، تفسرها إشادة وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ بمستقبل التعليم عن بعد وأنه - أي التعليم - لن يعود كما كان في السابق، حيث احتلت وظائف المختصين بالتعليم عن بعد المرتبة السابعة لأهم عشر وظائف مستقبلية، لذلك تحتاج هذه القرارات لحزمة من الحلول.

1 استعانة المدارس والجامعات بخبراء ومستشارين في التعليم الالكتروني وتقنية التصميم التعليمي.

2 التحاق المعلم أو الأكاديمي ببرنامج تأهيلي تدريبي شامل لإتقان مهارات جودة التعليم عن بعد.

3 التعاقد مع جهات استشارية مثل «مجموعة تزامن للتعليم الرقمي» المرخصة من وزارة التجارة وتضم نخبة من المستشارين المختصين بالمجال، للاستنارة بأهم ممارسات التعليم الالكتروني عن بعد لرفع جودة ومخرجات التعليم، مع تقديم برامج تدريبية للمؤسسات التعليمية بهدف إتقان جودة التعليم عن بعد.‬

• دفع أقسام تقنيات التعليم في جامعات المملكة إلى تقديم مقررات (أو تخصص فرعي) في مجال تصميم برامج التعليم عن بعد والتعلم المفتوح والتعلم المدمج.

ختاما، ما نريده اليوم هو إيجاد حلول للتعليم الالكتروني عن بعد مبنية على أسس علمية ومتوافقة مع المواصفات العالمية، قبل التسرع في إطلاق الأحكام بنجاح هذا النظام أو فشله، فأكثر ما آلمني هو مداولة النكت الساخرة عن فشل عملية التعليم عن بعد لجهل البعض بكثير من الحقائق، وسأسعى جاهدة بالتعاون مع المختصين إلى وضع بصماتنا في إحداث التغيير الإيجابي في منظومة التعليم الالكتروني والتعليم المدمج، وأطمح أن تكون بلادي المتصدرة عالميا.

dalyaqasem12 @