فرحان الذعذاع

الخداع الأمين

الاحد - 20 سبتمبر 2020

Sun - 20 Sep 2020

احذر من الاغترار بعبارة «ما شاء الله تبارك الله»، فهي سلعة المخادعين في وسائل التواصل والشركات المعلنة عن طريقهم.

سابقا كان النصب والاحتيال والخداع باللجوء إلى أعظم ما يقدسه المسلم ويستسلم له وهو الدِّين، وذلك بإظهار مظاهر التدين من لحية وتقصير ثوب واستعمال الألفاظ الشرعية من «بارك الله فيك» وأخواتها مثل «جزاكم الله خيرا، وزوجكم بكرا وأنجبتم عشرا وقتلوا في سبيل الله» التي ما إن تقرع مسامعنا حتى نُصاب بشد عضلي في الوجه بسبب الابتسامة العنيفة التي ترتسم على وجوهنا، ويبدأ مفعول هذه العبارة السحرية التي وافقت قلوب صادقة وآذانا نقية وانطلقت من ألسن الله أعلم بحالها! فتبدأ هالة من طبقة الغلاف العقلي والغياب الذهني المشابه للغلاف الجوي، فتكون طبقا على طبق تبدأ بالتروبوسفير والستراتوسفير وأبناء سْفير الستة الكرام.

ويبدأ الإنسان الدخول في مرحلة الخيال، بدءا بالزفاف والحصان الأبيض والزوجة الحسناء وكثرة الأولاد، ونسبح في التهيؤات حتى نصل إلى «يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة»، ونكمل الخيال على حصان أسود هذه المرة، وندخل المعركة وتتحقق دعوة (الأخ في الله) ويُقتل الأبناء العشرة، ونكمل الخيال في الدخول إلى الجنان ولقاء الأحباب والأبناء والحور العين، حتى ينهي هذا المسلسل الخيالي ابني الصغير وهو يقرأ الحديث المقرر عليه في المدرسة «من غشّنا فليس منا»!

نصابو ومحتالو اليوم لم تعد هذه الأدوات تخدمهم لتحقيق الأرباح، فلجؤوا إلى أسلوب «النصح والتحذير من المخادعين وادعاء الوضوح والشفافية والأمانة»، بدءا من تسويق المشروبات وصولا إلى العقارات ونصائح البناء بتمرير «خداعهم الأمين» من خلال وسائل التواصل ومشاهير الفلوس (التي ينطقها البعض بلا واو).

أبقوا على عبارة (ما شاء الله تبارك الله) فحسب عند عرض منتجاتهم، والطعن بطريقة غير مباشرة بمنتجات منافسيهم الذين لم يعلنوا من خلال هذه الحسابات وهؤلاء المشاهير، بل هناك ترهيب كبير جدا ومصطنع، خاصة في مجال العقار والمقاولات ونصائح البناء، وهي التجارة الرائجة هذه الأيام.

مبالغات تتجاوز الأفلام الهندية والمصرية القديمة التي نسمع فيها صوت إطارات سيارة البطل على سرعة 40 كلم، مبالغات يعرفها كل من له أدنى خبرة في مجال البناء والتسويق، وهي مبالغات مقصودة بهدف استقطاب الزبون بتخويفه من المجهول وقبول الأسعار المبالغ فيها من طرف المقاول (الثقة) أو التاجر الصادق الأمين (زعما)!

ولا أشك بأن النتيجة التي يخرج فيها المشاهد من الرهبة من المجهول والثقة بالمُعلِن والمُعلَن له هي نتيجة مرسوم سيناريوهاتها وتفاصيلها، بل أتوقع أنه تم النقاش بينهما أكثر من مرة، وأعيد التسجيل مرات ومرات بهدف صنع جو من الثقة وزرع المصداقية بالمنتج المُعلَن له أو الجهة المعلِنة، ونزع الثقة من المنافسين الآخرين بطريقة شيطانية لئيمة لم ترع في المستهلك إلّا ولاذمة.

هذا «الخداع الأمين» الذي يستخدمه مشاهير الفلوس (والفاقد بعضهم واوه) ومن يعلنون عن طريقهم سينتهي مع وجود (وعي المستهلك) وقناعته بأن المخادع قد يكون لابسا بنطالا وقد يكون لابسا شماغا.

«لست بالخب ولا الخب يخدعني» قالها عمر رضي الله عنه، وهي القاعدة التي يجب أن نتعامل بها مع أبناء جلدتنا الذين يتحدثون لهجتنا. والله من وراء القصد.

@_shaas_