بندر الزهراني

يا جماعة، أليس «الألف» بكثير!

السبت - 19 سبتمبر 2020

Sat - 19 Sep 2020

يكاد المتتبع للشأن الأكاديمي المحلي أن يصاب بالحيرة والدهشة والذهول، فقط لمجرد مطالعته بعض وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الالكترونية وهي تتناقل الإحصاءات الصادرة عن الجامعات المحلية حول ما يختص بعملية التعليم عن بعد، وقد يصاب بنوبة هستيرية من الضحك الذي يشبه البكاء إذا ما جاءه تنبيه على «تويتر» بأن الوزارة أعادت تغريد مثل هذه الإحصاءات، والسبب في هذه الأعراض الغريبة والمزعجة ليس لأن الأرقام غير صحيحة أو أنها أرقام مبالغ فيها، لا.. ليس دائما، فهي قد تكون صحيحة ومأخوذة من الواقع، ولكن لأن عرضها بشكل ما يخدم مواقف أو سياسات معينة يجعلها مثارا للسخرية والتندر، بغض النظر عن صدقيتها وسرعة انتشارها.

‏‫قبل أيام وضمن ملخص إحصاءات التعليم عن بعد في الجامعات المحلية‬ قيل: إن هناك أكثر من 7 ملايين ملف تم استعراضها على مواقع الجامعات المحلية، خلال الأسبوع الثاني من الفصل الدراسي الأول فقط، ولكن ما الذي يعنيه هذا الرقم الكبير؟ للوهلة الأولى عند سماعه يتبادر إلى الذهن أن هناك عملا خرافيا وخارقا للعادة، يقدم بشكل استثنائي وفي أسبوع واحد فقط! ومع أن الرقم المذكور قد يكون صحيحا، إلا أنه ليس بالضرورة أن يعكس جودة المحتوى للمادة العلمية المتضمنة في الملفات المليونية، ولا حتى طريقة عرضها

وتقديمها، بل ربما كان الإفراط في الكم على حساب الكيف محتوى وطريقة تقديم!

في الواقع الافتراضي المسألة لم تعد تقتصر على الكم والكيف فحسب، بل هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عنهما، فحالة المتلقي التي كانت تقيس أثر الكم والكيف لم تعد كما كانت عليه في الواقع الحقيقي، وكذلك التقييم بمختلف أحواله و أشكاله لم يعد دقيقا كما كنا نعول عليه في السابق، بالرغم من دقة وجودة أدواته الرقمية، فنحن أمام واقع جديد، واقع افتراضي بكل ما يعنيه مدلول اللفظ من معنى، وسواء استعرضت 7 ملايين ملف أو أقل من ذلك أو أكثر فهذا لا يقيس واقعا حقيقيا، ولا يعكس إنجازا تعليميا، ومن وجهة نظر تقنية بحتة لا أعلم هل هذا الرقم يعد إنجازا، ويشد إليه الانتباه، أم إنه مجرد رقم من الأرقام وليس له أي دلالة معنوية!

ويقال في ملخص الإحصاءات نفسه: إن إجمالي مدة الفصول الافتراضية زاد على نصف مليون ساعة، وهذا يعني أن الأستاذ الواحد يعمل في المتوسط تسع ساعات أسبوعيا، إذا ما أخذنا بالاعتبار إجمالي عدد أعضاء هيئة التدريس المشاركين في التعليم عن بعد، وهو 60 ألف عضو كما ورد في الإحصاءات نفسها، وقد يقول قائل: هذا أمر مقبول خاصة في ظل ظروف الوضع الراهن وضعف البنية التقنية وتفاوتها بين الجامعات! وقد يبدو الوضع كذلك، وهو أقرب للمعقول، ولكن لأن الإحصاء الرسمي الصادر عن الوزارة لإجمالي عدد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المحلية يزيد على 70 ألف عضو فهذا يدعونا للتساؤل عن سر غياب أكثر من عشرة آلاف أستاذ عن المشاركة الافتراضية في التدريس!

عشرة آلاف عضو متغيبون عن العمل أو متخلفون عن اللحاق بنظام التعليم عن بعد، أو لم يتمكنوا من الدخول على الأنظمة الالكترونية لقصورها وكثرة عيوبها، أو لأسباب أخرى، كل هذا في كفة، وهذا الرقم الكبير والكبير جدا في الكفة الأخرى، وقد يتغير في الأسابيع القادمة زيادة أو نقصانا، لذلك دعونا نقول: كم أنت عظيمة أيتها الأرقام! فبك أنت لا بغيرك، كنت معهم أو ضدهم، نكتشف الواقع والافتراض! وكم أنت عظيمة أيتها الوزارة حينما تصرفين رواتب وبدلات تعليمية لعشرة آلاف متخلف! ربما تقولون: العشرة مبالغة وتحيز أو هي خطأ في حسابات الوزارة، وقد تكون كذلك وقد لا تكون! حسنا، فليكن عددهم ثلاثة آلاف أو فليكن ألفا فقط، أليس الألف بكثير!

لعل الإشكالية هي في الإحصاء الصادر عن الوزارة، وهذا ما أرجحه، بعيدا عن تكييف البيانات وتبرير نتائجها، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقبل الجهات الرقابية تخلف هذا العدد الكبير من الموظفين عن أعمالهم، وكان الأولى بالوزارة مراجعة الأرقام الصادرة عنها قبل نشرها كي لا تضع نفسها في مواقف محرجة، وكان الأجدر بها مناقشة الإحصاءات مع المسؤولين مناقشة جادة، بعد التأكد من صحتها وتحليلها والتدقيق في نتائجها، وقبل خروجها أو الترويج لها، فالإحصاء ليس مجرد عدّ، إنما هو العلم والإحاطة بكل شيء يتعلق بما هو تحت الدراسة.

@drbmaz