أحمد محمد الألمعي

خواطر نفسية في زمن الكورونا: الابتزاز العاطفي (2 - 2)

الخميس - 17 سبتمبر 2020

Thu - 17 Sep 2020

استكمالا للحديث عن الابتزاز العاطفي وأشكاله في المقال السابق كممارسة شائعة في مجتمعنا، دون إدراك منا وأحيانا كثيرة بمظهر بريء. أكمل الموضوع بالحديث عن شخصية من يقوم بالابتزاز العاطفي وشخصية ضحية الابتزاز العاطفي، وآثار هذا السلوك اجتماعيا.

المبتز العاطفي هو شخص يستعمل الخوف والالتزام والشعور بالذنب في علاقاته، معتمدا على كون الضحية يشعر بالخوف من إغضابه، والالتزام تجاهه بتوفير كل ما يلزمه، والشعور بالذنب إن لم يفعل. وهذا هو محور للابتزاز العاطفي في العلاقة بشخص يعاني من اضطراب الشخصية.

والذين يمارسون الابتزاز العاطفي يدركون في قرارة أنفسهم أن ما يطلبونه ليس من حقهم، لذا يلجؤون إلى الاحتيال لتحقيق أغراضهم، ويزيد الابتزاز العاطفي في المجتمعات العاطفية التي تتحكم المشاعر في سلوكيات أبنائها، ويغلب حدوث الابتزاز العاطفي في الشخصيات النرجسية والسيكوباتية التي تميل إلى استغلال الآخرين لتحقيق رغباتهم، وقد يحدث في شخصيات عادية حين تكون تحت تأثير احتياج ملح أو شعور بعدم الأمان.

وقد يكون الضحية أبا أو أما أو ابنا أو صديقا أو حبيبا، وهو يميل إلى حب العطاء والرفق بالآخرين وإعطائهم العذر دائما والشفقة بالضعفاء، والمروءة والنجدة، والشعور المبالغ فيه بالمسؤولية عن الآخرين، والشعور بالفخر عند تقديم المساعدة، والشعور بالقيمة حين يكون في موضع المنقذ أو البطل، ولا يحتمل رؤية ضعيف أو محتاج دون أن يهب لمساعدته، ومع هذا قد يكون الضحية في حاجة إلى الحب والتقدير من جانب من يبتزه، لذلك يرضخ لابتزازه كي يضمن استمرار العلاقة.

النتيجة لهذا النوع من التعامل هو أن العلاقة القريبة تتأثر سلبا بالابتزاز، وقد تنتهي إذا ما انتهت المصلحة المادية أو المعنوية منها، إضافة إلى أن الابتزاز العاطفي يخلق لدى الآخر شعورا بالذنب على خطأ لم يرتكبه، فلا يكون مرتاحا وقد يتأثر نفسيا بسبب الضغط الكبير عليه، وكثير من العلاقات انتهت بسبب هذا الابتزاز العاطفي حين يكتشف الضحية أنه تعرض للخداع باسم الحب أو الصداقة أو القرابة.

العلاج النفسي مطلوب لكلا الطرفين؛ لمن يمارس الابتزاز وللضحية. فمن يمارس الابتزاز تعلم منذ طفولته أن يحصل على ما يريده بهذه الطرق الملتوية، وتعود على أن المحيطين به لا يحبونه إلا بشروط ومن خلال طرق معقدة، وبثمن أو مقابل، وقد تعزز لديه هذا السلوك في كل مرة كان يمارس فيها الابتزاز ويحصل على فائدة، ولذلك يحتاج لتبصيره بما يحدث ووقف تعزيز سلوك الابتزاز بعد الاستجابة له، وهذا لا يعني إهمال الشخص أو نبذه، ولكن إعطاء المشاعر بشكل راشد وناضج، وليس تحت تأثير الابتزاز، ومراعاة احتياجه للأمان والحب غير المشروط.

وينبغي للأشخاص أن يميزوا بين من يستغلهم عاطفيا ومن يتعامل معهم بتوازن، ليتجنبوا بذلك التعرض لخيبات أمل عاطفية لأن المبتزين في الغالب لا تعنيهم إلا المصالح.

والابتزاز العاطفي يعبر عن حالة نفسية غير سوية لأن المبتزين يعتمدون على الاحتيال لتحقيق أغراضهم، وهو تصرف يجري عن وعي، لذا ينبغي أن يواجه بالحزم لكي يكف هؤلاء الأشخاص عن سلوكهم الانتهازي غير السوي.

وعلى الجانب الآخر يحتاج الضحية للتدريب على اكتشاف وسائل الابتزاز العاطفي وأشكاله، وأن يفهم التركيبة النفسية للمبتز عاطفيا، وأن يتحكم في مشاعره فلا تستنزف أو تستدرج تحت تأثير مشاعر الذنب أو الخوف التي يزرعها فيه المبتز. وقد يحتاج الاثنان لمعالج نفسي متمرس يساعدهما على وقف الابتزاز ووقف الاستجابة له، ومساعدة الطرفين على النضوج النفسي الطبيعي.

في النهاية الهدف من توضيح هده الممارسات هو أن يكون الأساس في العلاقات الإنسانية هي ممارسات ناضجة وصحية فهذا يساهم في استمرارها بعيدا عن الاستغلال والممارسات المريضة.

@AlmaiAhmadِ