محمد أحمد بابا

يسار النسوية ويمين التنمر

الاثنين - 14 سبتمبر 2020

Mon - 14 Sep 2020

في لحظة ما سمعت مصطلح (عيشي حياتك) فلمحت فيه الأمر مع الملكية، وشعرت بانحياز نحو المرأة حيث هناك كثير من موروث عادات وتقاليد هضمت حقها يوما ما.

لكنني استجمعت قوى البحث والتقصي شهورا، مترددا في الكتابة عن هذا المنحى، حتى استوفيت الحد الأدنى بكفاية معرفة مجملة عما يدور في الأذهان ويضرب شمالا يمينا في مواقع التواصل الاجتماعي.

وكلما غصت في عمق المؤدى وجدت الغاية الغالبة على الظن - جسدية أو سياسية - ثم ركزت في الوسائل وجدتها يسارية التطبيق نزحا وتجريدا لطلب ردة فعل يمينية الاستعداء ظهورا وكثرة حتى يصبح التنكر فزاعة المنتقدين.

ولما ارتبط مصطلح (النسوية) بكثير من عوالق الاحتياجات والحاجات والحقوق للمرأة استفز ذلك عواطف المنصفين الذين ينظرون لتساوي أصل الاستحقاق قناعة فكر، لكن المصطادين في بحر مخاليط الفسوحات وجدوا من استمالة المستهدف هو (المرأة) جزء من بعض مقاصد هم لها قاصدون.

وعودة لمبدأ الحياة كفرصة للحي أيا كان ذكرا أو أنثى، والعيش فيها كوظيفة لهما على الاستواء في أصل البقاء رغم اختلاف التوصيفات، لا أحد ينكر على رجل يعيش حياته، ولا امرأة تعيش حياتها، ولا أظن عاقلا - خاصة في هذا الزمن - يطلب من جنس معين يعيش حياة غير جنسه، أو من فرد يعيش غير زمنه، إنما الأمر ذاع واشتهر كمقيد يبحث عن صورة مفكوك، فأضحى كما عم وطم قول معروف (لاني مقيد ولاني مفكوك) سمة لحسابات تروج لما لم يعد مفهوما.

إن كان معنى الحرية هو التحرر، فتلك يسارية يعرفها من يفتح كتب التاريخ للشعوب، وإن كان معنى العيش في الحياة ذم الآخر وتسفيه أحلامه ورموزه ومقدساته وفكره ونمط حياته وثقافة وطنه فذلك سبب رئيس مستحق لتلقي المعاقبة بالمثل وقلب الدنيا على الفاعل.

ما بال القوم جعلوا من اللامبالاة والانسلاخ من المسؤوليات الاجتماعية والدينية والنظم الأخلاقية التي تواصى عليها العالم بأسره سنة الجهر بالسوء من القول من غير ظلم؟ وما بال القوم أبرزوا من نفوسهم إلحاد دين دون عدل قول بأن تجرؤوا على مقدس آخرين فكذبوا وافتروا؟ وما بال القوم موغلون في دفع الذهن المجتمعي (للجنس) ودواعيه وأشكاله وألوانه كأنه قضية العالم؟ مع أن الفطرة السليمة التي خلق ربي عليها كل كائن حي هي هداية للتناسل دونما تعليم إبقاء للجنس البشري استغناء عن التدخل السلبي المحفز على الشذوذ.

في وطننا حقوق المرأة ظاهرة الامتياز يوما بعد يوم، ليست في حبس ولا ضيق من أمرها قانونا ولا تنظيما، أنصفتها الدولة والحكومة، وضربت بيد من حديد على كل معتد أثيم، فما العلة إذن في تقويض الفرح بيسارية التصور، وتفويت فرصة التفعيل بيمينية التنمر المستجلبة قسرا؟

القاعدة الاجتماعية كما هي مستحدثة في الأصل هي بالتالي متغيرة بفعل العرف والعقل والجمعي، وكذلك هي القواعد الفقهية بالنظر للمقاصد الشرعية الكبرى، ومجال تنقيح الأصول فسيح رحب، وميدان تجديد الفروع واسع ممكن، لكن الخُلق الإنساني، وتأصيل حق لازم للفرد والمجتمع بأن لا ضرر ولا ضرار باق في الناس حتى نهاية العالم.

عيشي حياتك أيتها المرأة كما تشاءين وترين، وتحملي مسؤولية اختياراتك من الخيارات المتاحة، دون لوم ولا تنمر، لكن تأكدي بأن الإساءة للنص المقدس والرمز المحترم جناية يعاقب عليها القانون، مع احترامي الكامل لك، هذا الكلام موجه للرجل أيضا ولكل أحد، لكن موضوع المقال يتطلب التخصيص.

أما أن تجف بركة ماء عن ضفادع من النساء أو الرجال ينخرطون في مجموعات قصدا أو غسل أدمغة ضد الوطن فذاك خط شديد الاحمرار، وباب كبير لوجوب اقتلاع من أصل تكوين، فالبلد أولى، والوطن أحق.

نحن أمة وسط، شهداء على من سبقنا بأن الإنصاف وسيلتنا، والتعايش هدفنا، والسلام رسالتنا، أقوياء بالله وديننا، ثم بحكامنا ولحمتنا الوطنية، لا نحتاج يسارية اشتراك، ولا يمينية متطرف، ولا ميوعة مدلسين.

albabamohamad@