عبدالله زايد

لنستثمر في المستقبل

السبت - 12 سبتمبر 2020

Sat - 12 Sep 2020

في العادة المخترعون والمبتكرون ستجدهم في كل مجتمع وزمن، وما يجعلهم كالعملة النادرة افتقادهم الدعم والفرص لإيصال صوتهم لصانع القرار.

الإنسان المخترع أو المبتكر قد يقدم فكرة عابرة مفيدة وصارخة في جديتها ووهجها بكل ما تعني الكلمة، ومع هذا فإن هذه الفكرة لا يمكن الاستفادة منها كما هي، بل تحتاج لجملة من الوسائل لترجمتها وتصبح واقعا يمكن الاستفادة منها، لذا من الأهمية توفر الموارد المادية والدعم المتخصص، فضلا عن نقدها ومناقشتها والعمل على تطويرها ومعرفة عيوبها، وهذا جميعه يتطلب آلية عمل ووعي تام بأهمية التفكير الإبداعي وما ينتج عنه.

كما هو واضح فإن الأفكار المبدعة التي أدت إلى الاختراع أو الابتكار لم تأت بعفوية أو لأن صاحب الفكرة قدمها وتحولت مباشرة إلى اختراع ما وانتهى الأمر، بل لأنه وجد بجانبه من يعمل معه لتحويل تلك الفكرة المبتكرة إلى واقع، والعقول المخترعة والمبتكرة ليست قليلة وليست عاجزة، لكنها وحيدة ولا تجد الدعم ولا التشجيع ولا الرعاية، وعندما تغيب المظلة المناسبة عن تقديم مثل هذا الدعم فإن تلك العقول تكون فريسة سهلة للشركات وتجار الأفكار، فتضيع الحقوق الأدبية والفكرية والمالية من أصحابها.

معروف أن هناك مراكز وهيئات وجهات رسمية لحفظ الملكية الفكرية، لكن لا توجد برامج ولا محاضرات ولا ورش عمل تقام وتتوجه للطلاب والطالبات ولا إلى الموظفين والموظفات ولا إلى المجتمع برمته، لتزيد من معارف الناس في الكيفية المثلى للتعامل مع أفكارهم وما تقدمه عقولهم من حلول للمشكلات أو ما يقدمونه من مشاريع حيوية ومفيدة.

جميعنا نفكر والكثيرون يخرجون بأفكار ملهمة، هذه الأفكار قد تكون نواة لمخترعات ومبتكرات مبدعة ومفيدة وغير مسبوقة، رغم هذا لا نجد حراكا في هذا المجال، لا نشعر أن هناك تشجيعا قويا وحيويا في هذا المجال، قد تكون الآليات غامضة وصعبة على الكثير من الناس، فضلا عن آخرين لا يعرفون من أين البداية.

إن كنا مهتمين بتنمية الأفكار وتشجيع العقول على إنتاجها، فيجب تجاوز الطريقة النمطية التي تدعو الناس لإبداء ملاحظاتهم ومقترحاتهم، يجب أن تتطور آلياتنا ولا يعني هذا أن نطلب إرسال المقترحات عبر الإيميل بدلا عن وضعها في ذلك الصندوق الذي كان معلقا عند البوابة، بل يعني وضع آليات عملية تبدأ من تقديم الفكرة، وتصل إلى النقاش والحوار في الكيفية المثلى لتحويل المفيد منها إلى مشاريع عمل.

عندما نبدأ بالاحتفاء بأفكار الآخرين والإعلاء من قدر أفكارهم، تبدأ عجلة الاختراع والابتكار. نحتاج لقوانين واضحة ودعم متواصل ومستمر في هذا المجال، وهذه من شأنها أن تدعم وتشجع على الابتكار والاختراع.

أخيرا أشير إلى الطفولة حيث يمكن البدء معها، وتحديدا في مرحلة رياض الأطفال والابتدائي، هي مرحلة خصبة يمكن تشكيلها بالطريقة التي ننشدها لمستقبلهم الواعد.

هذه الفئة يمكن الاستثمار فيها وتدريب عقولهم الغضة الصغيرة على التفكير المبدع وتشجيعهم على التعبير عن أفكارهم وما يجول في عقولهم. هذه النواة الصغيرة ستنمو، وسنجد أننا استثمرنا في المستقبل بشكل فعّال وغير مسبوق. الموضوع يحتاج لتحريك الساحة المجتمعية بالمزيد من الحوكمة وجهد توعوي يستهدف تنمية معرفة الناس بعالم الأفكار وأثرها العظيم في الحياة البشرية.