زيد الفضيل

سبعون عاما من البقاء يا معالي الوزير

السبت - 12 سبتمبر 2020

Sat - 12 Sep 2020

لم أتمالك نفسي عن إظهار بعض الحسرة وأنا أستمع للإذاعي المتميز رويشد الصحفي الذي يتولى حاليا منصب مدير الإذاعات الدولية بعد فصلها إداريا عن إذاعة جدة، وهو يحدثني بشيء من الفرح مخلوط ببعض حُزن، مشيرا إلى أن اليوم الأحد سيكون قد مر سبعون عاما من العطاء على الإذاعات الدولية الموجهة، فقلت له على الفور: بل قل سبعون عاما من البقاء يا صديقي العزيز.

حين تأسست الإذاعات الدولية الموجهة تحت مسمى الإذاعات الشرقية بتوجيه من نائب جلالة الملك على الحجاز والمشرف على الإذاعة في حينه سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز يرحمهم الله، وذلك غرة شهر ذي الحجة عام 1369هـ الموافق 13 سبتمبر1950م، كان الهدف إبلاغ المسلمين والعالم برسالة وأهداف المملكة، ودورها في خدمة المشاعر المقدسة وحجاج بيت الله، وتعريفهم بمختلف الإنجازات السعودية وبمواقفها السياسية والاقتصادية المبدئية. وكان أن بدأت الإذاعات الشرقية بثها التجريبي من مشعر عرفات باللغة الإندونيسية بصوت السيد عباس شطا لمدة خمس عشرة دقيقة، وتلاها البث باللغة الأوردية، ثم توسع بثها مع انتقالها إلى مدينة جدة لتشمل اللغة الفرنسية والفارسية والبنجلاديشية والتركستانية والسواحلية والصومالية والبشتية والتركية.

تجدر الإشارة إلى أن العالم قد اهتم بموضوع الإذاعات الموجهة، وقام بتشغيلها وفق دراسات استراتيجية مخطَّط لها، ويأتي على رأس تلك الإذاعات اليوم الناطقة باللغة العربية: إذاعة لندن، وإذاعة صوت أمريكا، وإذاعة مونت كارلو، وإذاعة صوت إسرائيل، وإذاعة صوت ألمانيا «إذاعة برلين»، والإذاعة العربية من طهران، وراديو الفاتيكان، وراديو موسكو، وراديو سوا، ناهيك عن كثير من القنوات المتلفزة الموجهة باللغة العربية.

والسؤال الذي أراه واجبا هو: هل حققت إذاعاتنا الموجهة المطلوب منها؟ ولأكون منصفا أسأل بتوسع أيضا وأقول: هل حافظت إذاعة جدة بتاريخها العريق على مكتسباتها وأكملت مسير ما بناه جيل الرواد بكل متانة وتجويد؟ هل استهدفت الجهات المسؤولة تطوير ملكات الإذاعيين والكوادر الفنية بما يجب ووفقا للأسس التي تقوم عليها إذاعة حكومية رائدة كإذاعة جدة والإذاعات الدولية الموجهة؟

للأسف وكمتابع أخشى أن نكون كمن نكثت غزلها بيدها، في ظل تحديث يقوم به من لا يعرف بوعي تلك القواعد التكوينية التي تأسست عليها إذاعة جدة بأدبائها الرواد، وكبار معديها ومقدميها ممن شكلوا سمت ووعي المستمع داخل المملكة وخارجها زمنا طويلا، وليت من مخبر يقول لهم: إن التميز لا يكون بالتخلي والتهاون في المخرجات، وإنما يكون بالحفاظ على تلك الأسس والقواعد المتينة، ومساعدة الآخرين لمجاراتها، وهو ما تحافظ عليه اليوم أبرز المؤسسات الإذاعية في العالم، ويكفينا الإشارة باتفاق إلى متانة وجودة مخرجات إذاعة لندن كنموذج لتلك المؤسسات التي أبت أن تتماهى بانسلاخ عن مرتكزاتها، فحافظت على تميزها ونجاحها حتى اليوم وإلى غد.

أعود إلى الإذاعات الدولية لأشير إلى أنهم قد بذلوا جهدهم بما ملكوه من قدرة على البقاء، لكنهم لم يُمكنوا من العمل بكفاءة عالية، ولذلك لم يصل صوتنا كما يجب إلى العديد من البلدان الإسلامية على وجه الخصوص، فالقضية ليست صوتا وحسب، وإنما كفاءة تستقطب، وبرامج تقدم، وأدوار يتم إبرازها، وكل ذلك يتطلب اهتماما وميزانية ووعيا بالدور المنوط بوطننا، وهو ما تفتقده الإذاعات الدولية حاليا، التي لا تحظى بما يتوجب من دعم وميزانية لتقوم بدورها كما يجب، ولتواجه ما يقابلها من إذاعات موجهة ناطقة باللغة العربية، لا سيما من إيران وتركيا.

أخيرا ليسمح لي معالي الوزير أن أهمس بمسمعه ونحن نترأس قمة العشرين قائلا: يا معالي الوزير، لا بد أن يكون لدينا إدراك بقيمة ما نملك، فليس صحيحا تدمير موجوداتنا لكون أحدهم تصور خطأ أننا لم نعد بحاجة لها، وهو ما يحدث حاليا، فمنصات إعلامنا الرئيسية يتم تدميرها دون وعي وإدراك للمستقبل، فقناة الثقافية والاقتصادية وأجيال تم إلغاؤها بجرة قلم من بعد عقد من التأسيس، وصحفنا الوطنية يتم الاحتفاء بانهيارها ولا حراك، بحجة أن ذلك من سمت العصر، والأعجب أنها تنهار في مقابل الركون لمنصة مهزوزة، مجهولة الهوية، اسمها «تويتر»، وإذاعة جدة يتم مسخ هويتها دون وعي بتاريخها وتجارب رجالها المؤسسين، لتواكب الإذاعات التجارية الخاصة، ولعمري كيف سيكون المآل مستقبلا؟ والإذاعات الدولية التي تمثل خطا دفاعيا مهما تعيش مواتا سريريا، في الوقت الذي يجب أن تكون حاضرة في الميدان بكل مهارة وتدريب. ودمتم بخير.

@zash113