عبدالله العولقي

أعاصير تهدد الأخلاق والوجود البشري

الخميس - 10 سبتمبر 2020

Thu - 10 Sep 2020

هذه الأيام، يضرب إعصار هايشن جغرافيا شرق آسيا، ويدمر موانئ ومدن اليابان وكوريا الجنوبية، محملا بأمطار غزيرة ورياح عنيفة تفوق سرعتها 120 كلم/الساعة، وقد تسبب في إحداث دمار هائل في المنازل والبنى التحتية وتشريد مئات الآلاف من منازلهم، وعلى الرغم مما تسببه الأعاصير من تهديد للوجود البشري إلا أنني أقصد من عنوان المقالة المراد المعنوي من لفظة الأعاصير، أي الأعاصير التي ينشغل البشر والعالم عن مهدداتها وهي لا تقل خطورة عما تسببه من مخاطر لوجود الإنسان.

أولى هذه الأعاصير، الفيروسات والكائنات الدقيقة ولعل آخرها كوفيد 19 الذي ما زالت مخاطره تهدد المجتمعات البشرية حتى الآن، فالارتفاع المتفاقم لأعداد سكان كوكب الأرض سيزيد في معدلات الغذاء على الحيوانات والطيور البرية الحاضنة لكثير من الفيروسات الدقيقة مما سيزيد احتمالية انتقالها إلى الإنسان، ولهذا صور بعض علماء الاجتماع والمستقبليات نمطية إنسان المستقبل بالهمجي، كونه سيتقاتل مع أخيه من أجل الموارد الغذائية، ولذا فالبشرية تواجه بالمعنى الحقيقي تحديات مصادر غذاء المستقبل أمام تزايد الطفرات الجينية المتحورة للفيروسات الدقيقة وعجز الإنسان عن إيجاد اللقاحات بالصورة الزمنية السريعة.

إعصار آخر يضرب المناطق الملتهبة على الخارطة الكونية كالشرق الأوسط وأفريقيا، وأعني بهذا إعصار «الفراغ السياسي»، والذي استغلته الأنظمة التسلطية ذات الأحلام التوسعية كنظامي طهران وأنقرة وعاثتا من خلاله دمارا في المنطقة، في مقابل غياب شبه تام للدور الإنساني لدى الدول الكبرى وانسلاخها عن مسؤولياتها الأخلاقية كما عهدناها سابقا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، هذا الغياب المستهجن تبرره وسائل الإعلام الغربية بأنها عمليات أصبحت مكلفة لاقتصادياتها وصناديقها، فالولايات المتحدة مثلا لديها انطوائية متواصلة عن جغرافيا الصراعات كمنطقة الشرق الأوسط، وغياب لبعض أدوارها المعهودة عنها سابقا بعد أن كانت عمود التوازن بين شرق العالم وغربه، حتى أضحت الحالة في تعامل واشنطن مع غيرها كما يقول الأستاذ إيميل أمين: غيابها مخل وحضورها مكلف.

الإعصار الثالث الذي شرعت أبواقه تدق نواقيس الخطر عالميا ينبثق عن جنرالات وادي السليكون الأمريكي، وتنافسهما المحموم والعنيف على السيطرة في ظل تهميش علني للقوانين الأخلاقية، فمثلا أعلن ايلون ماسك صاحب شركة تسيلا مؤخرا، عن اختراع شركته لشريحة ذكية يتم استزراعها في القشرة المخية، وهي الطبقة المسؤولة عن عمليات السمع والبصر والذاكرة، وبالتالي سيتم التحكم بها خارجيا بجهاز صغير ومعقد جدا يوضع تحت فروة الرأس، وقد أعلن أنها ستساعد على حل الكثير من الأمراض المستعصية، بينما مخاوف العلماء والباحثين حول العالم تتجه نحو مقدرة هذه الشريحة على التحكم بمشاعر الإنسان وإرادته، بمعنى أنه يمكن توجيهها نحو الجريمة والتجسس والعمليات غير السوية!

وأخيرا، إحياء القيمة الأخلاقية لم يعد ترفا تتوشى به الكتب التعليمية أو الخطب الدينية بقدر ما أصبح ضرورة لا بد من تعميقها في جوهر الثقافات الإنسانية وإصدار قوانين حديثة تتلاءم مع الواقع وتتصدى لكل أنواع الأعاصير المهددة لمستقبل الوجود البشري.

@albakry1814