مشعل أباالودع

على مشارف بساطة الحياة

الثلاثاء - 08 سبتمبر 2020

Tue - 08 Sep 2020

لطالما أغوتنا الحياة خلف حدود الأوطان، وأغوتنا زحمة شوارع باريس، وغيوم سماء لندن وأضواء فيينا، ومعالم روما، وأغوتنا حياة المؤثرين التي تطل علينا من شاشات هواتفنا. أغوتنا حياة تم انتقاؤها بعناية فائقة من لدن أصحابها، وما يصلنا سوى تلك القشرة المعقدة التي تحول بيننا وبين فهمنا لحقيقة الأمور الحقة.

انتشر مؤخرا بين صفوف الشباب مفهوم "المينيماليزم" الذي يعود أصله إلى حركة فنية ازدهرت في الستينات من القرن الماضي، والتي تميزت بتقديم الأعمال الفنية بأقل عدد من العناصر والألوان، وبدأ يزحف ليصبح مبدأ عاما في الحياة، يتعلق بالسلوك البشري تجاه الأشياء التي يمتلكها.

في الحقيقة لا يمكننا أن نعتبر هذه الحركة وليدة للصدفة، بل هي وليدة لصيرورة الحياة الحالية، في عصر بدأت تطغى فيه المادة على القيم والأفكار التي تحركنا، وأصبح الإنسان اليوم يهتم بالماديات ويعرف نفسه بما أنجزه وما حصل عليه، وأصبح مفهوم السعادة مقرونا بالحصول على بيت واسع عريض وسيارة مرسيدس وارتداء آخر ما أنزلته شركات الموضة على الأسواق، وأصبح الزواج الناجح هو الذي يبدأ بحفلة غالية التكاليف، ويعقد على شكل صفقة يناقش فيها الطرفان ما يمكن تحقيقه من مصالح وأرباح مادية وكفى.

لا عجب لو رأينا أفراد المجتمعات في سباق يومي مستمر، لأنها ترى نفسها مطالبة بالإنجاز أكثر، بالتحصيل أكثر، كلما استطاعت أن توفر وتستهلك بكثرة، لكي ترضي الآخرين وتتبع النمط العام السائد في مجتمع تطغى عليه الاستهلاكية وحب الظهور وإعجاب الآخرين.

في خضم كل هذا أصيب بعض الناس بالتخمة وسط الماديات من الأشياء، أصبحوا يميلون للحياة التي تزينها البساطة والإبداع، واعتبروا البساطة أعلى مراتب الحكمة، واتخذوا منها عنوانا يعلي كل نواحي الحياة، فيختزلون كل شيء بمعان بسيطة وواضحة.

عندما يتذوق الإنسان طعم البساطة يصبح الجمال يلتقط من النظرة الأولى، والإبداع يفهم من القراءة الأولى ويلامس العمق من أول الإشارات التي يتم رصدها.

لنتذكر أن الحياة ليست معقدة، بل تحتاج عقلا عبقريا ليستوعب بساطتها، ولنكن بسطاء ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.