شاهر النهاري

حتى على فيروز لا يجتمعون

الاثنين - 07 سبتمبر 2020

Mon - 07 Sep 2020

حقيقة يحاول البعض تهميشها وتمريرها لحين ميسرة!

أتذكر استغراب زميل دراسة لبناني أثناء الحرب الأهلية اللبنانية: لماذا يحب العرب أغاني فيروز بهذا القدر؟

ويكمل: كل أهلي وأقاربي، ومجتمعي اللبناني في قريتنا لا يحبونها، ولا يقنعهم منطقها، كونها تغني لخيال ووهم لا نعيشه هناك!

وصديقي من قرية جنوبية شيعية، كان أهلها يعايشون بدايات تكوين حزب الله، وتفرده بالإنسان اللبناني الجنوبي، وتطميع الشباب بالأموال للانخراط في صفوفه، عبر غسيل العقول، بمبيض الملابس الفارسي، أملا في صنع مقاومة بمفهوم أيدلوجي، (مفيش مستحيل)، والتستر بدعايات إزالة بقعة إسرائيل من جذورها.

ويتواصل معي صديقي بعد كارثة تفجير لبنان الأخير بحزن، ولكنه يبدو مضغوطا يحاول جهده إظهار اعتداله، فيحكي عن أمنياته بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وضرورة التفاف العرب، حول لبنان الجريح، وتقديم المساعدات المالية لبناء ما تم تخريبه، كما حدث في السابق عدة مرات.

وحينما توسع واحتدم النقاش بيننا، ظهر منطقه أكثر غموضا، كمن يحاول السير على حبل مشدود دون اهتزاز، فلا يضطر لتوجيه سبابته نحو عين الخلل، الذي أحدثه حزب الله الفارسي في النسيج اللبناني، وعذره بأن الوقت غير مناسب، للتراشق بالاتهامات، وهو لا يرى الوضع

اللبناني الداخلي شرا مستطيرا، ولا تقلقه فكرة أن هيمنة حزب الله على لبنان، وإرهاب وتصفية معارضيه هي السبب في جعل أطياف لبنان عدوة بعضها البعض، بفوضى تشكيل تكتلات سياسية حزبية، وعرقية، ودينية ومذهبية، نحرت روح لبنان علانية.

مفهوم غريب، ممن يدعي الرغبة بالإصلاح، وإعادة سيل هبات ومساعدات العرب ومحبتهم لما كانت عليه!

ويطل علينا الرئيس الفرنسي الأنيق الشجاع ماكرون، وهو يزور مناطق الخراب فيما كان يسمى بالمرفأ، ويجمع المساعدات، ويخاطب الجميع في لبنان، مبتدئا بزعامة حزب الله، ويطمئنهم بعودة السلام والتنمية والبناء.

فأي تنمية وأي سلام وأي بناء والخوف ما زال يكتب تعاسة الشعب اللبناني، سواء في المهجر، أو في منازلهم المحطمة، أو في الملاجئ، أو فوق قسوة أرصفة الشوارع؟

ماكرون حل ضيفا في زيارته الثانية على أرزة لبنان، فيروز، وترك للتاريخ معها صورة لا يعرف ألوانها إلا من حضر اللقاء!

فيروز تاريخ عظيم، غنت للبنان حتى انتشينا وبكينا معها وهي تبحث في الوطن عن وطن لا يكون.

فيروز وماكرون، تبادلا التحيات والمجاملات والهدايا، وتبادلا النظرة المتأملة بعودة لبنان باريس الشرق، الذي (عم يخلق جديد) رغم أنه (مزروعة عالداير نار وبواريد)، تلك هي الحقيقة، التي لا أحد يريد التحدث فيها، ولا نوايا فرنسية ولا داخلية لتشخيص السرطان الفارسي، الذي لا يحتاج اكتشافه لأشعة مقطعية، أو رنين مغناطيسي.

سرطان خبيث يتدخل حتى في لقاء فيروز والرئيس الشاب، ولكن من تحت الهواء، والخوف يتجدد ويتعاظم، ولا يظهر لأكبر المتفائلين أنه سيطرح يوما بشجاعة ضرورة تحجيم سلاح حزب الله، وجعله يأتمر بأمر الدولة اللبنانية، دون عودة بهيئة حكومة برلمانية، والحكم والكلمة تظل من تحت الكراسي، برشاشات ومتفجرات حزب الله.

مواقف الدول العربية، التي رفضت مساعدة لبنان ماليا، كانت أوضح وأعظم موقف اتخذوه منذ بدايات تكوين حزب الله، ولعل الضيق، يخلق فرجا يجعل المواطن اللبناني يعرف أنه لا يمكن العيش في وطن تحكمه ثورة خمينية، وتغني له فيروز.

@alnahariShaher