عبدالحليم البراك

مرحبا يوتيوب

الاثنين - 07 سبتمبر 2020

Mon - 07 Sep 2020

«أنا قديم بالهبال» هذا نص فكاهي قصير للغاية من مسلسل شارك فيه الممثل أسعد الزهراني متندرا على لهجة القصمان، وتحديدا بريدة.

يمكنك أن تعيد المقطع (أقل من عشرين ثانية) عشرات المرات دون ملل وأنت تضحك، لكن لا يمكنك أن تحصر اليوتيوب في مقاطع مضحكة أو لقطات لأبرز أهداف حمد الله مع النصر السعودي، أو أغاني نبيل شعيل مثلا، فاليوتيوب أكثر من هذا بكثير.

وليس من قبيل المبالغة إطلاقا لو قلت لك إنك تحتاج لعام كامل لتستمتع لكافة الملخصات والمحاضرات والقراءات في مواضيع الفلسفة – على سبيل المثال - المتوفرة باليوتيوب، سواء عن المذاهب الفلسفية أو عن كبار الفلاسفة (حياتهم وفلسفتهم ومدارسهم الفلسفية وأبرز أفكارهم)، وذلك بمعدل ساعة إنصات يوميا، بل إنك قد تعيد هذه المادة الصوتية مرة أو مرتين حتى تستوعب العمق اللفظي في تلك المحاضرات والدروس.

وليس من قبيل المفاجأة أن تفوز أغنية «بالبنط العريض» أو ما يروق لمعجبي «حسين الجسمي بتسميتها «بالطبطبة» بـ60 مليون مشاهدة، فهي في النهاية أغنية باللهجة المصرية اللطيفة، تستحق الشهرة بسبب كلماتها الجميلة، لكن المفاجأة أن تجد أن بعض الفيديوهات الفلسفية التخصصية تتجاوز الـ12 ألف استماع في أول أسبوع نزولها، وهذا دليل شغف الناس بالتعلم عن طريق اليوتيوب، كما أنه دليل آخر على أن منصات التواصل الاجتماعي يمكن اعتبارها وسيلة حديثة لحفظ العلم بشكل آخر غير الكتب.

وقد ينافس اليوتيوب الكتاب، وقد لا ينافسه، والفكرة أن اليوتيوب لا يستغل وقت الكتاب، فالكتاب يحتاج أن تكون في حالة راحة تامة على أريكة مريحة، وتركز بعينيك على تفاصيل المعنى، وتترقب ما بين السطور، وتغوص داخل العمق في الكتابة أو المعادلة أو المعلومة الواقعة فيه، وهذا غرض الكتاب، بينما الكتاب المسموع في اليوتيوب، أو المحاضرات الصوتية، فإن رسالتها أوضح بكثير من الكتاب، وبهذا فهي تعطي رسالة أقل عمقا، لكن بفكرة أوسع تتناسب مع حالة الإنصات واستغلال الوقت، فيمكن أن تنصت لمحاضرة في السيارة فتتحول دقائق القيادة والتنقل إلى ساعات ثقافية خاصة في المسافات الطويلة أو في الازدحامات التي تأخذ وقتا طويلا.

وعندما نقول إنه قد ينافس الكتاب، فقد ظهرت سلسلة أخرى اسمها الكتاب المقروء، ويشغل ساعات أخرى، لدرجة أنك تحتاج أيضا لعام كامل لسماع تلك الكتب أو ملخصاتها أو مقتطفات منها، وهذا أيضا فن آخر، والفكرة ابحث عما تحب ثقافيا، أو عن تخصصك في لغتك أو في أي لغة أخرى ستجد مئات الساعات، وتتزايد بشكل يومي.

اليوتيوب ليس مجرد أغان صوتية، أو مقاطع مضحكة أو يوميات أبطال السوشل ميديا أو سلسلة أهداف لاعبك المميز، بل اليوتيوب يمكن أن نقول عنه إنه يستعد ليكون منصة يحمل إرثا ثقافيا عالميا، ليس فقط باللغة العربية، بل بلغات العالم، وثروة صوتية لا تقدر بثمن، بل أكثر من هذا هو منصة تصويرية لكبار ليس من السهل أن نراهم متى ما أردنا ذلك، كفيديوهات لجورج برناد شو، وألبرت إنشتاين، والألماني الشهير فريدرك نيتشه، فوثائقيات الفضائيات تختار من نشاهد ومتى نشاهد، أما اليوتيوب فإننا نحن من نختار المادة التي نحبها، وفي الوقت الذي نحبه، ونعيده متى ما اشتقنا إليه، وستبقى هذه المنصة إرثا عالميا لا يقدر بثمن مهما كسبت الشركة المالكة المال، فهي تستحق!

Halemalbaarrak@