شاكر أبوطالب

التعليم عن بعد.. الوسيلة هي المنهج!

الاحد - 06 سبتمبر 2020

Sun - 06 Sep 2020

أطلق الباحث الكندي مارشال ماكلوهان جملة بسيطة المبنى عميقة المعنى، تحولت فيما بعد إلى واحدة من أشهر النظريات الحديثة في علوم الاتصال والإعلام، هذه الجملة: «الوسيلة هي الرسالة»، بلفظ آخر أن كل وسيلة اتصالية لها خصائص مستقلة بها، تؤدي إلى تشكيل دور خاص بالوسيلة الاتصالية يؤثر في المجتمع وفي الرسالة الاتصالية وكيفية استقبالها. أي أن الوسيلة الاتصالية تصنع تغييرا في كامل العملية الاتصالية وعناصرها.

في الوقت الحالي؛ يمر المجتمع بتجربة تعليمية جديدة بسبب فيروس كورونا المستجد، وهي تجربة «التعليم عن بعد»، التي بدأ استخدامها منتصف الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الماضي، وكانت المرحلة حرجة جدا ومفاجئة للجميع، وحملت العديد من الصعوبات والتحديات التقنية، لأن الوقت لم يتح أي فرصة للتفكير والاستعداد والتهيئة لهذا النوع الجديد من التعليم.

وبعد انتهاء العام الدراسي السابق بكل ما فيه من تجارب ناجحة وفاشلة في إدارة التعليم عن بعد، ظننت أنه سيتم الوقوف على التجربة ومراجعتها وتقويمها، ومن ثم تطويرها وتحسين جودتها، وبالتالي فإنه متى ما ظهرت الحاجة للتعليم عن بعد في أي مرحلة مستقبلية، فستكون التجربة أفضل بكثير مما حدث في العام الدراسي المنصرم.

ليس هذا فحسب؛ بل توقعت أن يحدث تغيير في شكل ومحتوى المناهج والمقررات الدراسية، لأن المحتوى التعليمي المعد سلفا للتفاعل على أرض الواقع وفي الفصل بين المعلم والطلاب، يختلف بكل تأكيد عن المحتوى التعليمي الذي يتم التفاعل معه في العالم الافتراضي، حتى لو كان ذلك عن طريق البث المباشر، فظروف العملية التعليمية الواقعية تختلف تماما عن العملية التعليمية الافتراضية.

قبل كورونا؛ كان الطالب في مدرسته حاضرا بجسده وعقله في الفصل بين زملائه وتحت أنظار معلمه، يتفاعل في نظامه التعليمي بشكل مادي، لكنه اليوم عن طريق «التعليم عن بعد»، فإنه يتفاعل بواسطة جهاز أمامه، سواء كان ذلك الجهاز هاتفا ذكيا أو حاسبا آليا، فكل جهاز يدفع لاستخدام حواس معينة أكثر من غيرها، وينشأ عن تلك العملية عادات اتصالية وتعليمية جديدة، وبالتالي فإن أدوات التعليم عن بعد تغير في الطلاب وتؤثر فيهم، وينبغي الانتباه إلى هذه التغييرات والتأثيرات ودراستها، وخاصة أن معظم المجتمع السعودي من فئة الشباب، وكل الطلاب والطالبات أعمارهم تتراوح بين 5 و24 عاما، إذا ما أضفنا التعليم الجامعي إلى التعليم العام. وبالتالي نحن أمام جيل شاب حيوي مستعد لتبني التغيرات التقنية التي في الغالب تعيد بناء الاقتصاد والمجتمع.

بعد قرار وزارة التعليم بأن يكون الأسبوع الأول لاستكمال عملية التسجيل والتدريب والتهيئة، ظهرت العديد من الأزمات في تجربة التعليم عن بعد، وعدم عمل بعض المنصات، وصعوبة دخول الطالب إلى حسابه، وغيرها من المشكلات التي قد تشير إلى أن الوزارة ربما كانت مستبعدة تماما من حساباتها الدراسة عن بعد!

أعلم بأن إجازة نهاية العام الدراسي ليست كافية للوزارة بالتحول التقني وتفعيل صيغة التعليم عن بعد بشكل كامل ومثالي، ولكن على الأقل التفكير في مواءمة المحتوى التعليمي مع ظروف التعليم عن بعد، سواء طبيعة المحتوى أو حجمه أو توقيته، فالتعلم والدراسة من داخل الفصل لمدة 45 دقيقة لا يمكن تحقيقها من خلال الاتصال عبر الحاسب الآلي أو الهاتف الذكي.

shakerabutaleb@