محمد حطحوط

حراسة العقل في عصر التفاهة!

السبت - 05 سبتمبر 2020

Sat - 05 Sep 2020

أصبح قوقل اليوم جزءا من حياتنا اليومية، وضرورة لا غنى لنا عنها، وخدمة مجانية مذهلة تنظم كل بيانات هذا العالم الافتراضي اللامنتهي، ولكن قوقل لديه مشكلة أخلاقية كبرى، قبل ذكرها لا بد من معرفة كيف كان الإنترنت قبل قوقل.

كانت شركة ياهو هي أكبر لاعب في السوق، وكانت تنظم المحتوى في الإنترنت من خلال طريقة تقليدية بسيطة: موظفون عملهم تقييم المحتوى ومن ثم ظهوره في محرك البحث ياهو، ومع تسارع الصفحات والتحميل في الإنترنت، اضطرت ياهو لتوظيف الآلاف لهذا العمل، وفتح باب الدوام الإضافي لسد هذا العجز.

بمعنى آخر، موظف ياهو هو فلتر بينك وبين الحقيقة، فهو يقرب ويظهر للناس ما يراه مهما، ويبعد ما يراه غير ذلك، والضحية هو المستخدم النهائي، لأنه لا يوجد إنسان في العالم سيكون لديه العلم الكافي لتقييم كل هذا الكم الهائل من البيانات، وبشكل حيادي.

هنا أتت قوقل بطريقة جديدة ومبتكرة لتقييم هذا المحتوى، ودون تدخل بشري: كلما تداولت المواقع الأخرى رابطك الذي يحوي هذا المحتوى، فهذا دليل على أهميته ورغبة الناس به، ولهذا - تستنتج قوقل - سيجعل هذا المحتوى في أعلى قائمة البحث.

لو أدخلت نظرية قوقل في إطار فلسفي للبحث عن الحقيقة، ستكون النتيجة صادمة: معيار قوقل للوصول للحقيقة والمعلومة الصحيحة هو (شهرة) هذا الرابط من ذاك! وبتمحيص سريع، تدرك أن التفاهة تجد طريقها سريعا في كل مكان وتفوز هنا لسهولتها، وهذا يعني أنها ستتصدر محركات البحث!

هل يعني هذا أن نترك قوقل؟ بالطبع لا، ولكن الهدف أن تكون أكثر وعيا في تلقي نتائج قوقل في المستقبل، وأن تستحضر هذه المعلومة قبل كل دخول لقوقل.

قوقل خدمة عظيمة تنظم البيانات، ولكن معياره الرئيس في فلترة المحتوى هو مدى شهرة هذا الرابط من عدمه.

مع السنين طور قوقل خوارزميات أخرى هدفها تحسين ذلك، والتقليل من الاعتماد الكلي على شهرة الرابط، وتحسين ظهورك في محركات البحث وإدارته، أصبح هناك فن كامل في التسويق بهذا الاسم، تحسين ظهورك في محركات البحث SEO.

اليوم تعيش التفاهة أجمل لحظة في تأريخ البشرية، نظرا لبساطتها وخفتها وسرعة انتشارها ومحبة السواد الأعظم لها، والتفاهة بكل صورها التي لا تنتهي في وسائل التواصل الاجتماعي، جزء من حياتنا لا ينبغي أن تلغى، لأنها تدخل تحت بند الترفيه وزرع الابتسامة مطلب إنساني.

الإشكالية تبدأ عندما تستهلك التفاهة الساعات يوميا من وقتك، ومع تراكم تلك الساعات شهريا وسنويا، وملامستها بشكل لامنقطع لعينك واحتكاكها الطويل بأذنك، وضربها اللامنتهي لعقلك، ستصنع منك في نهاية المطاف - رغما عنك - إنسانا تافها!

لهذا آمنت أن حراسة العقل اليوم في عصر مليء بالتفاهة هو عبادة من أعظم العبادات!

mHatHut@