محمد أحمد بابا

يا أخي لطفا.. لا تسلم علي!!

الاثنين - 31 أغسطس 2020

Mon - 31 Aug 2020

من ضوابط التقارب الاجتماعي بعض من التباعد الاجتماعي حسيا قبل أن يكون معنويا، فالغثيث من زاحم النفس قربا وحضورا دونما شعور بأن مضايقته للآخرين حوبة الذنوب.

لذلك يجد أكثرنا حين يسافر خارج الوطن مساحة من حريات النفس وصبوة القلب ونزهة الخاطر ما يجعله يتحسر على قيد شخصية وأربطة مجتمع وزحام معارف وهو ينشط للسياحة الداخلية أو قضاء وقت للترفيه المحلي والاستجمام البلدي.

ليس من المعقول أن تجدني وشخصا معي في الركن البعيد الهادي في نفس المكان في النادي أو الوادي ثم تشمر عن ساعد القيام من طاولتك التي تبعد عنا مسافة القصر وتسلم علي (هلا يا بوفلان) وتتابع النظر فيمن معي لتضطرني إلى (بروتوكول) تعارف بينكما سمج التفاصيل، وتدفعني لكي أعزمك (عزومة مراكبية) وتضيع وقتي ومزاج رأسي فيما لا يفيد.

وليس من الأدب أن تشاهدني في صالة سينما من بعيد، سواء كنت وحيدا أو معي رفقة، وتفرغ نفسك لمراقبتي ومن معي مستخدما بعض عينيك وجزءا من إشارات أصابعك كأنك عازم على كتابة تقرير مفصل عني لمن يهمه الأمر.

وكلا، ليس من اللباقة أن تجعل من وقتك خارج منزلك في سوق مركزي أو صالة بلياردو أو صالون حلاقة أو حلقة خضار متعة السلام على فلان وفلان والنظر في أحمالهم وأوزانهم وأولادهم وعائلاتهم ثم مرافقتهم لمعرفة سياراتهم ووجهاتهم في فضول اجتماعي مقيت تضيق به النفس حتى تكاد تصرخ.

الحرية المجتمعية لا تقتصر على فعل ما تريد وقتما تريد أينما تريد، بل تتعدى ذلك أن تكون في حل من الضفادع البشرية التي تنطنط أمامك وخلفك قفزا من بركة مائها وكأنها تقول لك: لست وحدك حبيبها، أنا قبلك، أنا مثلك، وربما جئت بعدك (ومش حتغمض عينيك).

مساكين هم أولئك الذين اشتهروا بعمل أو منصب معين - لا سيما مع كثرة المستفيدين والمراجعين الذين يشاهدونهم دوما - فهم أكثر الناس سجنا داخل مدنهم وأقطارهم العربية نتيجة ثقافة المراقبة المزعجة، فلا هم يستطيعون السباحة والاستمتاع في شاطئ الجماهير، ولا هم يتحملون نظرات التتابع في مقهى الحي ولا بقالة الحارة، فالنظرة السائدة أن يضايقهم من يحبهم قبل من يكرههم، وينغص عليهم متعة الخروج من ينتظرهم قبل من يحسدهم.

أما نحن عوام الخلق فلنا من ذلك نصيب أسد في غابة تناقضات، ألا يحترم من يعرفنا خصوصية وجودنا في مكان عام، فقد فهم بعضهم المكان العام الشراكة في النظرة تلو النظرة والسلام تلو السلام، مع احتمالية كبيرة لثقلاء البشر الذين يمطرونك بالأسئلة على حين غرة كأنك في اختبار مفاجئ لدى معلم نكد، ثم أنت بعد هذا التركيز رهين الأخبار والإشاعات وسخونة البث أن فلانا وجدناه في محل لبيع الآيسكريم يمشي في الأسواق، ويأكل الطعام، ويضحك مثل الناس لابسا الأحمر والأصفر ومعه من يُحب!!

يبدو حقيقا أن يحمل كل منا لوحة إرشادية حين نزهته مكتوبا فيها: يا أخي لطفا لا تسلم علي.

هونج كونج رغم اكتظاظ سكانها وخروجهم صباحا في تزاحم أكتاف كأنهم في يوم عرفة أو ضحى جمرة العقبة لا يضايق منهم أحد أحدا، ولا يتفلسف منهم رجل على امرأة، بل وحتى لا ينظر منهم شخص لعار، ولا مستكن في قهوة صباح لماش يترنح سُكرا، ولا يعنيهم رفع صوت ولا تمتمة أسرار، فهم في شؤونهم ماضون.

أو ليس من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؟

albabamohamad@