فهد عبدالله

الانحياز المبكر

الاحد - 30 أغسطس 2020

Sun - 30 Aug 2020

بالتأكيد أنك صادفت موقفا ما أو مشكلة وكان لديك تصور يميل لليقينية حول هذا الموقف أو المشكلة، ومن ثم بعد ذلك يكون لديك تصور مختلف تماما عن ذلك التصور القديم لهذا الموقف أو المشكلة، وفي الأغلب يرجع هذا التغير في زوايا النظر إلى نقص في المعطيات والمعلومات وتأثيرات تجاربك ومعارفك السابقة في الانحياز المبكر للتصور الذي تمليه عليك التحليلات الذهنية التي تجول في داخلك سواء كانت بسيطة أو مركبة.

أعتقد أن المرور بمثل هذه المواقف والوقوف عندها بشيء من التأمل قد يطبع الفكر والذهن على التأني والهدوء تجاه التصورات المختلفة، ويقلل من حدة سلوكيات الانحياز المبكر لتصور معين، وخاصة في تلك الأمور ذات الأبعاد المركبة أو التي تحتوي على معطيات ومدخلات كثيرة، ومع كثير من المواقف التي تحدث تغيرا في التصور ومزيدا من التأملات ستفرض ذائقة الوعي الجديدة التقليل من سلوكيات إصدار الأحكام الإجمالية فضلا عن وضوح الرؤية لإشارة المرور الحمراء الذهنية التي تسرد تراكمات المواقف بأن لا تنحاز مبكرا لتلك التحليلات السريعة الفطرية.

بل حتى تلك التصورات المرتبكة تجاه الأحداث ستقل وتيرة الارتباك فيها وحتى وإن لم تتوصل فيها لأي انحياز لكون التأمل المتكرر لتلك المواقف التي تغيرت فيها القناعات رسمت ملامحها في السلوك الذهني بأن ليس بالضرورة أن يكون هناك انحياز في كل مسألة وليس بالضرورة أن أسعى لتبني رأي في كل أمر تقع عيني عليه وتتكون حالة زهدية فكرية إيجابية في العزوف عن الأمور التي ليست في قوائم الاهتمام فضلا عن العزوف عن سلوكيات الانحيازالمبكر في التصورات والآراء والوقوع تحت تأثيراتها.

حتى على المدى البعيد ورسوخ هذا السلوك الإنساني الفريد سيؤدي كما أعتقد إلى حالة نضج عامة تلمس مظاهرها في الحوارات والنقاشات وأساليب البحث عن المعلومة الصحيحة ومن مصدرها الصحيح والانفتاح على جميع العلوم والثقافات والاتجاه مع الحكمة والحقائق أينما ذهبت واتجهت وتقبلها كما هي وحتى إذا كانت جديدة أو غريبة أو مخالفة للألفة المعرفية السابقة أو لتأثيرات المجتمع سواء في العادات والتقاليد والمعارف، حيث إن الوعي بذلك الارتباط الفطري بالتحليلات الذهنية تجاه التصورات والآراء والتي قد تقود لتلك الانحيازات المبكرة في الأحكام هو في ظني من العتبات الأولى في سلم النضج والوعي والتي من خلالها يتمكن الإنسان من ترك التصورات الخاطئة التي يمتلكها والانتقال السلس لعالم فسيح من القناعات الجديدة الصحيحة.

قد ندرك مدى صعوبة تحسين عملية ذهنية وخاصة إذا كانت تتوافق مع طبائع البشر مثل محاكمة المواقف والتصورات من خلال المنظورات السابقة وخاصة في تلك المواقف التي تمسنا وتنتج من خلالها ردة فعل ولكن مع التأمل المستمر والتمرس والتطبيقات بشكل جزئي من موقف إلى آخر ستتراكم التجارب والمواقف ومستخلصاتها الحكيمة التي توجه نزعة ردود الأفعال إلى أن الصحة والخطأ قد تجوب قناعاتي وقناعات الآخرين، وأن التريث والتحقق والنظر بزوايا النظر المنفرجة ضمانة للتحسين المستمر، وأنه مهما تعالت الشواهد بصحة ما تمتلك من قناعات ستكون لديك عضلة ذهنية قوية تتقبل التصحيح والمراجعة.

fahdabdullahz@