فرحان الذعذاع

تلبيس إبليس

الثلاثاء - 25 أغسطس 2020

Tue - 25 Aug 2020

دائما الحديث بالأمور القبلية والعشائرية حساس وقد يتم إسقاطه على مناسبة أو حدث أو أشخاص.

غالبا من ينظر إلى الحديث العشائري من منطلقه القبلي البحت والتحزب مع أو ضد فكرة المتحدث، أما التجرد والإنصاف في النظر للأحداث والأمور القبلية فهو نادر جدا وهو أشبه بإنصاف الهلاليين للنصراويين وعدل النصراويين مع الهلاليين!

مع الأسف حتى مع الطبقة المتعلمة والمثقفة ومن هنا تأتي الحساسية المفرطة تجاه بعض السلوكيات العشائرية من الأغلبية الصامتة والتي هي جوهر وثقل كل السلوك القبلي والتي أصبحت لا تستسيغ بعض هذه السلوكيات، فبعد أن كانت تحتفظ بآرائها المصادمة للتيار العام قبليا أصبح لديها منابر لتفريغ شحنات الرأي من خلال رسالة واتس اب مذيلة بفاعل خير أو حساب مجهول بتويتر ينتقد هذه التشوهات السلوكية أو ما شابه ذلك!

الدية مقدرة شرعا بمائة من الإبل بحق المسلم إن كان القتل خطأ أو عمدا لكن العمد يكون فيه قبول الدية الشرعية أو القصاص أو الاصطلاح على أي شيء، وكل الأنواع لا إشكالية فيها إلا ما برز على السطح في السنوات الأخيرة وهي قضايا القتل العمد والاصطلاح عليها والتي فتحت (أبواب الثراء وجهنم في آن واحد)، وهذه القضايا بين استحقاقها القبلي والترابط الاجتماعي وبين الضرب من تحت الحزام تارة واستخدام (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) تارة أخرى.

والناس جميعا لو خيرتهم بين إحياء قاتل سافك للدماء جريمته ليس فوقها جريمة إلا الكفر بمبلغ 50 مليون ريال وبين بناء 100 بيت وقف للمتبرعين وكل بيت يأوي أسرة مكونة من 10 أشخاص من أفراد القبيلة ويكون مجموع ما تم إيواؤهم 1000 شخص مستحق فربما لن تتفاجأ بالاختيار؟

لكن لأن القبيلة تفتقد مشاريع الإنجاز وتوقفت على مشاريع الإنقاذ لذا يتم الدفع بهذا الاتجاه الوحيد!

يا من تتلو (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) احذر أن تتلو تلك الآيات وترد عليك الحقيقة قائلة، سنوات مضت الكل يشتكي من تجارة الدماء بل ونسمع بأن هناك سماسرة لهذه المصائب التي حلت على أسرتين لا ذنب لهما بما فعل الجاني والمجني عليه، تبدأ بالجاهيات وتنتهي بكسر ظهر القبيلة بمبالغ تصل إلى عشرات الملايين.

(خداع الذات بدعوى الخير مع الشك فيه شعور مشترك!)

أخي الساعي في الخير عندما تحبر عتق الرقبة تحبيرا في مساعيك وأنها من أعظم القربات إلى الله قائلا (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) احذر تلبيس إبليس وتذكر (من أجل ذٰلك كتبنا علىٰ بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وتفسيرها أن من قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس (ومن أحياها) أي: (حرم) قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، أما أن تستعمل هذه الآية وتخصصها فقط في إحياء نفس القاتل فهذا فهم سقيم لتفسير الآيات أو تجييرها لأضعف ما تشمله.

وتذكر أنه بسبب الإفراط بهذه السلوكيات أصبح لدينا عبارة يتداولها الشباب بين بعضهم (ديتك مدفوعة)!!

وهنا لا بد من الإشارة إلى توافق قبيلة عزيزة كريمة من قبائل الوطن وضعت حدا لهذه الإشكالية باتفاقها على سقف أعلى للديات بمبلغ 5 ملايين ريال ينفع من فقد ويرفع عن من ابتلي ولا يثقل كاهل من لاذنب لهم!

أما آن للفكر القبلي أن يتحول لمنفعة أفراده:

لماذا لا تكون هناك أوقاف للقبيلة تحت مظلة الشؤون الإسلامية والأوقاف؟

لماذا لا يكون هناك صندوق لابتعاث المتميزين من أبناء القبيلة تعليميا وتحت مظلة وزارة التعليم أو وزارة الشؤون الاجتماعية؟

لماذا نتعامل كالطفل المدلل مع الدولة نريد منها كلا ولا نبذل شيئا؟

الدولة لا تملك قرار سعر النفط ولا تملك استقرار الأسعار ولا تملك أن تحمي العالم من انهيار ولا تملك أن تكون إيراداتها أكثر من مصروفاتها، لماذا نكون اتكاليين دائما!؟

لماذا انحصر أو حصر دور القبيلة فقط في إنشاء قروبات ومناشدات للدعم والمشاركة في قضايا القتل فقط (وهو استحقاق مقبول إن لم تكن به متاجرة)، بينما عطل دور القبيلة أو فقد تجاه مرضاها: حتى تصل إلى وسائل التواصل ثم يبدأ التطبيل والتزمير والمماحكة والمناكفة بين الأقطاب بعد فضح المريض وكل خصوصياته ثم تنبري له القبيلة للإنقاذ!

ألا يمكن أن يحدث كل ذلك بستر وخصوصية بما أنكم تتعاملون مع ابن قبيلتكم الذي يأنف من بذل ماء وجهه لأجل المرض تجاه فقرائها ومحتاجيها:

حتى يصبح ما يأخذونه لا يساوي شيئا مقابل ما انصرف من ماء الوجوه.

أين دور القبيلة عندما تتقاطع الأسر بين بعضها حتى يموت البعض وهو على خصام مع أخيه وابن عمه. كلها أدوار قبلية مفقودة حتى هذه اللحظة!

لماذا كل الأصوات التي تدعو إلى العقلانية بهذه القضايا والموازنة بين التزام القبيلة تجاه أفرادها بقضايا الدم ومنع العبث والمبالغات يتم مهاجمتها ومهاجمة طرحها؟

لا أشك بأن البعض فقد دوره القبلي فأصبحت مثل هذه الكوارث والمصائب باعثا لبروزه على السطح مرة أخرى.

لكن لو فكرت مثل هذه العينات المليئة بالنخوة والحمية بمشاريع النفع مع مشاريع الإنقاذ لكان ذلك مدعاة للثناء أكثر والاستفادة الأعم.

مع كل ما سلف وفي لحظة لا تستطيع لوم من فقد فلذة كبده في كل ما طلب وأيضا لا تستطيع لوم من يريد أن ينقذ فلذة كبدة بكل ما يسعى!

لكن عليهم مراعاة الله في من لا ذنب لهم من أبناء القبيلة!

فمنهم من يتبرع بسيارته التي تقل أولاده ومنهم من يستلف ليشارك جماعته حياء وسترا وربما بينهم من حول سداد فاتورة كهرباء بيته إلى (حملة عتق رقبة... ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)

حفظنا الله وإياكم ومن تحبون ونحب.

خالد بن محمد سالم العنزي كان ذاهبا لمقابلة صديق في إمارة الرياض فأخبروه بأنه ذهب لساحة العدل وعندما وصل ساحة العدل التي يقام فيها الحد الشرعي وجد صديقه مع جمهور من الناس فسأله ما قصة هذا الرجل الذي سيقام عليه الحد، رد الصديق قائلا: رجل من قطر عربي ارتكب جريمة القتل، وذوو الدم طلبوا الفدية ومبلغها 500 ألف ريال ولم يستطع دفعها.

فقال صاحبنا أنا سأدفعها وتم إيقاف القصاص وفعلا دفع المبلغ كاملا دون أن يعرف الرجل ولم تشل به الشيلات ولم تطبل له الطبول وكانت كلماته (أحب ما فعلته إلى نفسي وأسعد موقف في حياتي) وكان حريصا ألا يعرفه أحد.

وأعجب ما رأيت الاحتفالات التي تكون من طرف ذوي القاتل بعد إكمال مبلغ الدية!

_shaas_@