بندر الزهراني

تعلّم في رقابهم الحجامة!

السبت - 22 أغسطس 2020

Sat - 22 Aug 2020

المثل الشعبي الدارج يقول «يتعلم التحسين في رؤوس اليتامى»، وهذا المثل بكل ما فيه من روعة التصوير ودقة التعبير ووضوح المعنى يمثل بصراحة متناهية وبلا جدل ولا أخذ أو رد واقع وزارة التعليم هذه الأيام، خاصة بعد إقرار نظام التعليم عن بعد في الفصل الدراسي الأول للعام الجديد، فالوزارة بعد تردد طويل وقلق مستمر وتخرصات هنا وهناك خرجت بقرارها هذا، وهو القرار الأصعب مخاضا والأكثر عراكا ونقاشا، فهناك من كان بفرح وسعادة ينتظره كما هو الآن، وهناك من استعد لنقده وقدحه والتذمر من آثاره المتوقعة والمترتبة عليه، وهناك من ليس هو في العير ولا في النفير، وكل بالطبع له رأيه ووجهة نظره.

قرار الوزارة جاء مذبذبا بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى أولئك؛ تعليم عن بعد لمدة زمنية ثم تعاد الكرّة وتبدأ الاجتماعات وحالات القلق والترقب والانتظار، ثم يعلن لاحقا عن استكمال الفصل الدراسي عن بعد، وهكذا دواليك، ولذلك قلنا إن القرار قلق في شكله ومضمونه، ولا يلام الوزير على اجتهاده، فالحمل ثقيل وثقيل جدا، والوضع الراهن حرج ولا يحتمل تعدد الأمنيات والرغبات، ولا الظنون والتوقعات ولا كثرة الاجتماعات ولا حتى الابتسامات أمام الكاميرات!

قد يقول قائل: الصحة أولى من التعليم، وصحة صغارنا فلذات أكبادنا أولى الأولويات، وهذا قول وجيه، فلا يمكن أن نأتي بعد الحظر الصحي كل هذه المدة ومع كل البروتوكولات التي التزمنا بها ثم نعود فجأة لما كنا عليه قبل انتشار الوباء فتحدث الانتكاسة لا سمح الله، وقائل آخر ربما يقول: هناك أكثر من طريقة آمنة يمكن العودة بها إلى المدارس والجامعات مع الوعي الكافي والحذر المعقول، فلا يمكن أن نعتمد على التعليم عن بعد، حيث ثبت فشلنا معه في الفصلين الماضيين، وهذا أيضا قول وجيه!

وهنا أتساءل كغيري من المهتمين بالشأن التعليمي وأقول: بدل أن نعيش هذه التجارب المكلفة ماديا ومعنويا والمؤثرة في أنفسنا وفي أنفس أبنائنا وبناتنا، لماذا لا يكون لدى الوزارة خطة طوارئ محكمة وتطبق عند الضرورة القصوى، كحالات انتشار الأوبئة أو الكوارث الطبيعية والبشرية، ويمكن تطبيقها بشكل كلي أو جزئي، وحسب الحاجة؟! وكذلك لماذا لا يكون لدينا منهج طوارئ خاص يستدعى عندئذ! كيف يكون ذلك؟ الأمر بسيط جدا، منهج طارئ بمعنى أن يكون هناك كتاب واحد لكل المواد العلمية، وكتاب آخر لكل مواد اللغة العربية، وثالث لكل مواد التربية الإسلامية، فثلاثة كتب طارئة خير من عشرة آلاف مدرّس عن بعد!

الهدف الحقيقي وراء هكذا توجه هو خلق ثقافة إدارة الأزمات بشكل جمعي، وترسيخ مبدأ التأقلم واستمرار العمل في حالات الطوارئ، وبالتالي يمكن فعليا تحديد طبيعة الدوام ومكانه ومدته وآلية التقييم والتقويم ونحو ذلك، فعلى سبيل المثال: بدل أن يكون الدوام أسبوعا دراسيا يكون يوما كاملا أو يومين مفتوحين، وليس بالضرورة أن يتم اللقاء مع الطلبة في المدارس، بل ربما في المساجد أو الأسواق أو المنازل أو دور الإيواء أو المسارح أو غيرها طالما الوضع طارئا، وتستخدم التقنية سواء عن بعد أو عن قرب، فهذا كله من الحكمة، والحكمة ضالة المؤمن!

المركزية في القرار هي وجه آخر للمشكلة، فما يطبق من أنظمة تعليمية في العاصمة أو في المدن الرئيسية ليس بالضرورة أن يكون صالحا للتطبيق في المدن الطرفية، والعكس صحيح، ولو افترضنا أن إدارات التعليم على قدر كبير من المسؤولية، ولديها مساحة من حرية القرار تعادل حجم المسؤولية المنوطة بها، لما لمسنا في مشاعر الناس كل هذا الهلع والقلق والتخوف على مستقبل أبنائهم، ولربما حينئذ تتفرغ الوزارة للقيام بدورها الحقيقي في الرقابة والمحاسبة، وتترك للناس مجالا معقولا لتحقيق مصالحهم العامة بالشكل الصحيح والمريح!

drbmaz@