عبدالحليم البراك

أطفال الأعمال!

الاثنين - 17 أغسطس 2020

Mon - 17 Aug 2020

من أبرز أحداث هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي أنها خلقت مجموعة أطفال تمارس الأعمال، من خلال هذه المواقع، صارت هذه المجموعات الطفولية مشاهير، وصارت تعلن للناس، وصارت الشهرة مصدر رزق لها ولوالديها وعائلتها، بل أصبح هؤلاء الأطفال مشاهير للغاية وتتفاعل مع ما يحدث مع الشهرة من دهشة ومكاسب مادية ومعنوية، والسؤال الكبير من يحمي جناب الأطفال من العمل في مواقع التواصل الاجتماعي للتكسب على حساب طفولتهم!

الطفل عندما يدخل عالم المال، يهمل نفسه ويهمل دراسته، ويهمل مستقبله، الطفل لا يدرك أن مستقبله العلمي أهم من هذه الفوضى الالكترونية، فالمال مغر ولكن مستقبل الطفل أهم، وللطفولة حقوق يجب ألا تهان بدعوى كسب المال، أو بسبب الشهرة، فالتعليم والتربية وحق الطفل أن يحيا حياة طفولة مرحلية تليق بسنه حق مكتسب، إن لم تساعد الأسرة الطفل على ذلك؛ فإن مؤسسات الدولة معنية بمتابعة هذا الأمر وحماية جناب الطفولة!

أطفال صاروا مشاهير، فصاروا أداة في يد الغير سواء آباؤهم أم غيرهم، والسؤال الكبير هو إلى أين مستقبلهم يسير؟ وماذا عن مستقبلهم الدراسي والفكري، إن لم ينم هذا العقل وهذا الجسد نموا طبيعيا، وإلا فإن هجوما على هذا الطفل تم بمباركة والديه والمجتمع تحت دعوى الحرية أو المال، أو مؤسسات تغفل عن واجبها الاجتماعي.

يتعرض الطفل في مشاهد كثيرة للتنمر من قطاعات المجتمع العاقلة والمريضة، السليمة والتي تعاني، كلها لأن حياة الطفل الخاصة تم اختراقها وصارت حياة عامة يحق لأي شخص التواصل معهم أو الاتصال بهم أو التعليق عليهم، فتخيل طفلة صغيرة يتم التنمر عليها بسبب سمنتها أو جسدها أو بسبب بيتها أو بسبب خلقة الله التي لم يكن له يد فيها، فالرجل الكبير والمرأة العاقلة تقاوم هذا التنمر، لكن ماذا يترك التنمر في نفس الطفل الصغير من آفات، قد تظهر عليه الآن، أو عندما يكبر، أو تجعله يسقط قبل أن يكبر! بل ويتعرض الأطفال المشاهير لاستغلال بعض المشاهير لمزيد من الأصوات والمتابعين ولو على حساب الطفولة، فيتم تسويقهم بغرض انتشارهم المزدوج!

المال في يد الطفل يعني تحميل الطفل مسئوليات لا طاقة له به، فلا هو مؤهل لمعرفة كيفية تحصيله، ولا هو يعرف كيف ينفقه، وقد يكون عرضة لاختلاس جهده من قبل والديه؛ بل قد يختلف الوالدان على حقوقه، فيكون ضحية المال وضحية خلاف والديه وضحية التفريط في طفولته.

لا يعيش الطفل حياة طبيعية وهو يقع تحت هذا النوع من الاستغلال فلا يختلط مع الأطفال الذين هم في سنه، فيتعلم منهم ما يتعلمه الطفل عادة، فيناجي عقله الصغير عقولهم الصغيرة، ولا هو يفهم ويدرك الكبار وأفكارهم، بل تحول إلى أداة جمع المال، وتحول إلى مشهور يحتفي فيه قطاع كبير من الناس، ويهاجمه قطاع آخر، ويتفرج على حياته قطاع مختلف، ويترقب زلاته قطاع ثان، وهكذا وهو أيضا فهو مرتبك في أولى مراحل حياته، وهذا بلاء كبير على الطفل، فكيف سيكون عندما يكون في منتصف عمره!

الطفل كائن حساس، ولا يسعني أن أقول الأمثلة بالأسماء، فالأطفال الذين ظهروا ويظهرون الآن، في مواقع التواصل الاجتماعي كنجوم ومشاهير، أكثر من أن تطرح أسماؤهم للنقاش فيمن ذهب ضحية أو مهدد بذلك، وراحت حياة بعضهم للقضاء بسبب خلاف الأم والأب، وذهب حياة آخرين للإعلام فصارت تفصيل حياتهم في أفواه الناس، وكل واحد منا من يعرف قصة وحكاية عن طفل مشهور كيف تدهورت حياته أو تعرضت لأذى، ونتطلع أن تتخذ المؤسسات المعنية حلولا تشريعية وتنظيمية وتنفيذية تحد من أن يهان جناب الطفولة تحت أي غرض من شهرة أو مال أو شهوة من شهوات الناس الخفية!

أخيرا، نتمنى أن نستمع قريبا ما ينظم هذه العلاقة حتى لا يصبح الطفل ضحية أسرته ومجتمعه وأنظمة تناست وضعه بحجة أن والديه مسؤولان عنه، فمسؤولية المؤسسات هي مسؤولية الأب للمجتمع كله!

Halemalbaarrak@