مشعل أباالودع

مهارة الكتابة

الاحد - 16 أغسطس 2020

Sun - 16 Aug 2020

كم من واحد منا تجتاحه رغبة، على حين غرة، في الخمول في بطن صفحات الدفتر البيضاء العارية لتأثيثها بالجمل والعبارات، وينسج في الأخير فيالجا بهية الألوان، بعد فترة من الاحتضار والانتظار.

الكتابة فعل يثلج القلوب ويريح الصدور، وإدمانها يحولها إلى حاجة ملحة وضرورة استثنائية، وتقترن بالقراءة المستمرة فيصبحان كشريان الأبهر والرئوي لدى الإنسان، إذا قطع أحدهما يموت.

يرافق الكتابة غالبا شعور مزدوج فيه سعادة وألم، سعادة بالمولود الجديد، نصا وفكرا وعبارة، وألم الفطام الذي يعقبه.

غالبا ما يحتاج الكاتب إلى التركيز لكيلا تهزمه الورقة، فيحتفظ بمكان خاص لعملية المخاض السرية.. قد تكون تحت مضخة حمام الجاكوزي القوية، أو أثناء استقالتك للحافلة في ساعة متأخرة من الليل، أو أثناء تجمعك في وسط عائلي يملؤه الضجيج والقهقهات المتعالية، أو قد تزورك كذلك وأنت واقف بين حشد من الناس تنتظر قطار الحياة.

فعل الكتابة يزور في أي وقت وأي مكان، لا يؤمن بزماكانية الحدث ولا بالحدود الجغرافية! فعلاقتها بصاحبها تحليق علوي لا تحكمه قوانين الجاذبية ولا اتجاهات الرياح.

تعطي للكاتب غرورا مهجنا بالإبداع يرفعه ويجعله في مكانة التقدير والاحترام في مجتمعه، لأن القدرة على نسج الكلمات وحبكها وجعلها عبارات رنانة تطرب القارئ، هي عملية استثنائية ونادرة ومهارة تحتاج لجهد كبير.

في حقبة الأمر تنجح الكتابة عند إثراء العقل والروح والنفس في الإجابة على الأسئلة المحورية التي تلامس كل نواحي الحياة، وتنجح كذلك عندما تناقش موضوعا من زوايا متعددة، ولا تقيده بأحكام فردية ومنفردة، بما أن الحياة لا تقبل المعنى الواحد، فللحياة معان متعددة.

الكتابة ملاذ، ومن يمارسها يعتبرها ملجأ وملتقى لأفكاره المبعثرة وآرائه الجريئة، وأحيانا صندوق أسراره التي لا يستطيع البوح بها لأحد.

الكتابة هي الزائرة بعزة نفسها، بعد اشتياقك لها، وبعد أن تصبح كبرميل صدئ بالأفكار والمعاني.

تعود فتحرك فيك عاطفة عفوية، فتبدو كالنوتة العليا في سيمفونية في المكان الصحيح والوقت الصحيح.

لولا الكتابة لكان قد انتحر الكثير، ولولاها لبقيت أفكارنا ككبة خيطان متشابكة، معروضة التلاشي والانصهار.

هي بخلاصة موروثك الذي صنعته بيديك، وهي لحظة تقلب موازينك وتزجج أفكارك وترفعها على حواجبك، وعند اكتسابها كمهارة ستدفع اسمك للخلود لا محالة.