عبدالله العولقي

حول القرن 21

السبت - 15 أغسطس 2020

Sat - 15 Aug 2020

بعد مضي عقدين من القرن الحالي يمكننا القول إن هناك سمات متباينة وصفات حديثة قد بدأت تتشكل معالمها وتتضح أطرها الأساسية في صورة التغيرات النوعية التي تشهدها البشرية على كافة الأصعدة، السياسية والثقافية والاقتصادية، وتختلف جذريا عما عهدناه في القرن العشرين. وفي هذا المقال سنتطرق إلى بعض تلك التغيرات التي ربما ستساهم في رسم ملامح العقود المتبقية من القرن 21.

الأمر الأول يتعلق بالولايات المتحدة ومدى قدراتها الفعلية على قيادة العالم، فالبعض يرى أن سياسة الانكفاء على الذات قد بدأت تسيطر على ذهنية البيت الأبيض، ولا سيما في مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط كـ «ليبيا وسوريا والعراق»، والتي شهدت شبه تنازل لخصومها التقليديين، روسيا وإيران، ولهذا يؤكد بعض المحللين عن اتجاه العالم نحو تعدد القطبية، بالإضافة إلى أن هناك حديثا ساخنا عن تشكل تكتلات دولية كمجموعة البريكس، والتي تمثل قوة صناعية وتنموية صاعدة تقودها الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا.

وهذه المجموعة تشكل ربع مساحة العالم من اليابسة و40% من سكان العالم، وتهدف إلى مواجهة واشنطن وخلق نظام عالمي جديد.

هناك تغير آخر مهم يتعلق بشركات التقنية العملاقة كتويتر وفيس بوك وألفابيت (قوقل) وأبل ومايكروسوفت وأمازون، بحيث أصبحت هذه الشركات تتصدر المشهد الاقتصادي والسياسي حول العالم. وتأتي هذه التغيرات نتيجة لتغير مفاهيم الثراء في القرن الحالي عما كانت معهودة عليه سابقا، فلم تعد الثروات العظمى تأتي فقط من كنوز الأرض كالذهب والفضة والنفط والغاز، بل أضحت تأتي من بوابة الثراء الأولى، المجال التقني، ولهذا يتصدر ملاك هذه الشركات قائمة أثرياء العالم. الأمر الآخر أن هذه الشركات التقنية قد بدأت تلعب أدوارا جسيمة في ميادين الانتخابات الحكومية والسياسة الدولية، ولهذا تم استدعاء بعض ملاك هذه الشركات للاستجواب في جلسات الكونجرس الأمريكي، كما أعلن الرئيس ترمب حظر التطبيق الصيني الشهير تيك توك كتحصين للأمن القومي، وخشية أن يلعب أدوارا حساسة في الانتخابات الأمريكية القادمة.

الأمر الثالث يتعلق بالمنظمات والهيئات الدولية، كمنظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية وحلف الناتو، فهناك حديث طويل وجاد في الإعلام الغربي والعالمي حول تلك المنظمات، هل هي بحاجة إلى إصلاح بنيوي وتطوير إداري؟ أم إن الضرورة تقتضي تأسيس منظمات بديلة وبأسس عصرية تتلاءم مع طبيعة القرن الحادي والعشرين؟ فالشعوب المكلومة مثلا من الاعتداءات الجائرة كالإرهاب الإسرائيلي في فلسطين، أو الانقلاب الحوثي في صنعاء لم يعد يعنيها خطابات شجب واستنكار الأمم المتحدة دون تقديم حلول ناجعة حقيقية، بالإضافة إلى فشل منظمة الصحة العالمية في التعامل مع جائحة كوفيد 19.

وأخيرا، هل ستشكل هذه التغيرات النوعية علامات بارزة في تاريخ القرن الحالي؟ وهل لديها القدرة الفعلية على تحديد ورسم الخطوط العريضة لفهم مؤشرات التنبؤ المستقبلي، أم إن سيرورة التاريخ وإعادة إنتاجه ستفرض تكرارها الزمني لما عهدناه في القرن العشرين؟

@albakry1814