أحمد الهلالي

معاناة متبنية أحد أبناء وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية!

الثلاثاء - 11 أغسطس 2020

Tue - 11 Aug 2020

وعدت في المقالة السابقة أن أقص عليكم ما حكته لي متبنية أحد مجهولي الأبوين، فقد تبنته منذ عمر ستة أشهر، وظل في حجرها حتى دخل المدرسة، فبدأت تلاحظ فرط الحركة لديه، والتغيرات السلوكية بعد إخباره بواقعه، وأيضا تعرضه لتنمر الأقران داخل المدرسة، ربما لأنه أخبر بعضهم بأنه مجهول الأبوين، كما لمست ضعف قدراته مقارنة بأقرانه، وظلت تراجع الدار التي منحتها فرصة التبني فلا تجد إلا التعاطف، وحين راجعت به العيادة النفسية في المستشفى الحكومي واجهت عقبات المواعيد المتباعدة، واختلاف الأطباء في كل مراجعة، وضعف الأثر، فقررت السفر به إلى أمريكا، وأنفقت أموالا طائلة على محاولات علاجه وتأهيله في أحد المراكز وهو في المرحلة الثانوية، وعادت إلى الوطن حين لم تقو على فواتير العلاج الباهظة.

كانت تستجدي وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أن تساندها، لكن لا مجيب، ولا حلول، وازداد حال الابن سوءا، وزاد تمرده على الأم والأسرة، وأصبح حادا إلى درجة مفزعة، حاولت الأم بكل الطرق أن تغير واقعه، فلم تسمح له قدراته بمواصلة دراسته الجامعية، وبحثت له عن فرص وظيفية، ولكن سلوكه وطبعه الحاد تسببا في إخراجه من الوظيفة، ووفرت له برنامجا تأهيليا مدفوعا في شركة وطنية، لكن سلوكه وحدته أخرجاه أيضا من البرنامج، واضطرت الأم لدفع تكاليف التحاقه، وازداد تدهور حاله حين انقطعت مكافأته الشهرية بعد بلوغه 20 عاما، وهو عاطل، ويعاني أزمة نفسية وعاطفية، فانطوى على ذاته من مدة، يتواصل بأصدقاء عبر الإنترنت لكنهم ليسوا في المستوى المأمول، ويسببون له انتكاسات مستمرة. ومن شدة الأزمات التي يعانيها أقدم مرة على إحراق المنزل أثناء نوبة انفعالية، ناهيك عن اختلاق المشاكل مع أسرته على أتفه الأمور.

بعد كل هذه المعاناة والخوف ذهبت الأم إلى الدار، فقالوا إن أردت التنازل فعليك تقديم معاملة، وهي عادة تستغرق ثلاثة أشهر، وحين سألت عن مصيره، أجابوا: ستؤمن له غرفة في أحد المهاجع الجماعية، ويعطى مكافأة 500 ريال ويترك ليواجه واقعه ومصيره، فلم يسمح لها قلب الأم، خوفا عليه من نفسه ومن أصدقاء السوء، وخوفا أيضا على المجتمع والوطن، فمثل هذا الشاب المعتل لا يجوز أن يترك وحيدا، فهو خطر على ذاته وعلى الجميع، ويجب استصلاحه بأي طريقة ممكنة، ولا يجوز أن تترك هذه الأسرة تصارع وحدها، في كل هذا الخضم القاتم من العواطف والمعاناة.

هذه الأم، وغيرها من الأسر الحاضنة، تناشد الوزارة أن تلتفت التفاتة حقيقية إلى هذه الفئة التي أصبحت تتجاوز 6000 إنسان، وأن توفر لهم مراكز خاصة تعنى بجميع شؤونهم، مزودة بالكوادر المتخصصة، وبكل ما يدعمهم على مستوى الصحة البدنية والنفسية، وبكل ما يؤهلهم تعليميا وثقافيا واجتماعيا، وأن تسعى إلى تدريبهم من وقت مبكر على ما ينفعهم من المهن والمهارات بالتعاون مع الجامعات والكليات التقنية والمعاهد المهنية الحكومية والخاصة، وأن تسعى في توفير الحياة الكريمة لهم من خلال التأهيل وتوفير الفرص التعليمية العليا، وكذلك الفرص الوظيفية الاستثنائية المناسبة لهم، فواقعهم ليس كواقع أبناء الأسر المستقرة، وهم أبناء الوزارة.

إن هذه الفئة الاجتماعية تستحق عناية الوزارة، وهي تدفع مبالغ ضخمة للجمعيات التي تقوم على شؤونهم، لكن تلك الجمعيات لا تقدم المأمول بحسب الأسر، وهذه الأسرة وربما غيرها أسر كثيرة تعاني معاناة شديدة على المستويين العاطفي والاجتماعي، وتنتظر أن تتحرك الوزارة قدما في هذا الملف، قبل أن يصبح بعض الأبناء خطرا حقيقيا على الأسر والمجتمع والوطن.

ahmad_helali@