ياسر عمر سندي

نجح بجودته لا بكميته

الأربعاء - 05 أغسطس 2020

Wed - 05 Aug 2020

وانقضى موسم حج 1441 بخير وأمان، وسجلت ذكرياته التي ستظل عالقة في الأذهان؛ حيث سبق لي أن كتبت مقالا في هذه الصفحة القديرة، بعنوان «حج 2020 غير»، بتاريخ 23 يوليو 2020؛ والذي استشرفت في سطوره مبتهجا «بأن هذه الشعيرة قائمة بفضل الله تعالى أولا، ثم بالدعم والرعاية الكريمة، من لدن حكومة خادم الحرمين الشريفين، لإنفاذ هذا الموسم، رغم كل التحديات، والصعوبات المتوقعة لإدارة موسم الحج أمنيا، وصحيا، لعشرة آلاف حاج؛ إلا أنه سيكون حج غير، ومختلف النظير».

وفي حالة من الترقب المحلي والعالمي، بتسليط الأضواء على المملكة كراع لهذه التظاهرة الإسلامية العظيمة، والتي جاءت في فترة توثق على أنها غريبة في حالتها، وغير مسبوقة من نوعها، واستثنائية في أحداثها؛ حيث تزامن مع هذا النسك الأعظم، وهذا الركن الأكبر، وجود جانب ضبابي عكر صفو الكثيرين، وهو فيروس ووباء كوفيد 19 كورونا؛ الأمر الذي تطلب بذل الجهد والعطاء، بتضافر جهات عدة من وزارات الداخلية، والصحة، والحج، والتي تشاركت بجميع معرفتها، وإمكاناتها، ومهاراتها التخصصية؛ لضمان سهولة حركة الحجيج، وسلامة صحتهم، ومحاصرة انتقال وانتشار الوباء بكل الوسائل، والأساليب، والطرق التوعوية، والتحذيرية، والعلاجية، والذي أدى بدوره إلى بزوغ جانب مشرق منقطع النظير، لحج هذا العام بفضل الله عز وجل، ومن ثم التوجيهات العليا من خادم الحرمين، وولي عهده الأمين، والتي أعطت أولوية قصوى لإنجاح هذا الحج وسلامة الحجيج.

قد يتساءل الكثيرون بأن موسم حج هذا العام لم يتطلب الكثير من الجهد والعناء مثلما كان في الأعوام السابقة، من أعداد خارجية، وداخلية، تقدر بأكثر من مليونين ونصف حاج، يقفون على صعيد واحد، ومقارنتها بالأعداد القليلة الحالية، التي يمكن السيطرة عليها وتسييرها، وضبطها، لهذا الحج؛ نعم قد يكون الرد جاهزا، بأن إدارة الحشود لعدد قليل هي أكثر سيطرة وتطويعا من الأعداد الضخمة، وهذا ينطبق إذا ما تم النظر إليه من الجانب العددي؛ ولكن بالنظر إلى الجانب النوعي، والذي يعكس نسبة الجودة ودرجة الاتقان، فهنالك يكمن الفرق من نواح عدة شهدها وشاهدها الحجيج، والعالم العربي والإسلامي عبر وسائل التواصل الإعلامي والمجتمعي، في الأخبار المباشرة، والرسائل الفورية المتناقلة، من مكة والمشاعر المقدسة.

ومن هذه الشواهد المؤثرة، منظر الحرم المكي الشريف، والكعبة زادها الله عزا وتشريفا، وحولها الطائفون؛ ولأول مرة في التاريخ، بنظام حركي انسيابي فائق الجودة، في التباعد، والتناسق، والبعيد عن التداخل، والعشوائية، وعلى خطوات، وخطوط مرسومة، على أرضيات المطاف، وكذلك المسعى بين الصفا والمروة؛ وأيضا علامات المصلين لتأدية صلوات الجماعة، والالتفاف الدائري المنتظم حول الكعبة، ومراعاة أماكن الرجال والنساء، مع ملاحظة عدم وجود الأطفال، والرضع، وتسخير ما يقارب 3500 عامل، وموظف يقومون بأعمال النظافة، والتعقيم المستمر، بالإضافة إلى وجود مرشدين أكفاء، وممثلين من الصحة، والحج، والأمن؛ للتنبيه بأهمية التباعد في كل مرحلة وكل نقطة للتنبيه التوعوي، والتذكيري.

وبحسب بعض الشهادات المصورة لبعض الحجاج المختارين لأداء الفريضة، والذين يروون عن الجودة، والنوعية، والتنظيم عالي المستوى في المشاعر المقدسة بعرفة، ومنى، ومزدلفة، والمشاهدات التي تعكس الانضباط للحجيج، فوق جبل الرحمة، والصعود بأفواج متتابعة، ومتباعدة، والنظام في مسجد نمرة بمشعر عرفة، أثناء الاستماع إلى الخطبة؛ بمواقع تراعي التباعد، وتراعي الحيز المكاني، والتطهير، والتعقيم المتوالي للسجاد، والأماكن الداخلية، وتوفير الكراسي للمحتاجين، وكذلك تنظيم النفرة إلى مشعر مزدلفة في قمة الروعة، مع الحرص على الفحص الفوري المرحلي للحجيج، وأيضا التنظيم المتتابع للصفوف في وقت الرمي للجمرات؛ والتي تم تعقيمها مسبقا، وحفظها في أكياس مخصصة، وتم تسليمها للحجيج، ناهيك عن الوجبات، والمشروبات المجانية، وأماكن قضاء الحاجات، والمستلزمات، والخيام للإقامة والمبيت؛ جميع ذلك يعكس للعالم جودة حج 2020، والذي تجاوز كل التوقعات ولله الحمد؛ فهنيئا لنا جميعا على هذا النجاح المشرف؛ الذي فاقت جودته النوعية أعداده الكمية.

@Yos123Omar