عبدالله الخرعان

التفكير الاستراتيجي مقابل التخطيط الاستراتيجي

الأربعاء - 29 يوليو 2020

Wed - 29 Jul 2020

قد يبدو للبعض أن مصطلح التفكير الاستراتيجي مرادف لمصطلح التخطيط الاستراتيجي. لكن الأمر ليس كذلك. وهذا اللبس إنما حصل لقلة ما كُتب عن التفكير الاستراتيجي، وبالتالي أصبح مصطلح التخطيط الاستراتيجي أكثر شيوعا وأُلفة لدى كثيرين.

وحتى ننطلق من نقطة اتفاق فإن (التفكير الاستراتيجي) و(التخطيط الاستراتيجي) هما من المصطلحات المركبة. ولعلي بداية أتحدث بإلماحة بسيطة عن الفرق بين (التفكير) و(التخطيط) كونهما مناط اللبس لدى البعض، وحتى يتضح لنا الفرق بينهما، ثم ننتقل للحديث عن موضوعنا الأساس.

التفكير كما ورد في معاجم اللغة العربية هو: إعمال العقل في شيء ما، وهو عملية ملازمة للإنسان، بينما التخطيط هو عملية منهجية تجري ضمن إطار محدد ووفق خطوات وآلية مقننة.

وعلى هذا الأساس فإن التفكير الاستراتيجي هو عملية عقلية غير مرئية، تهدف للتفكير العميق في المستقبل، بخلاف التخطيط الاستراتيجي الذي يمثل عملية ممنهجة تسير وفق تكنيك محدد. فالتفكير يأتي بالأفكار والتخطيط يدرس مدى الحاجة إليها وإمكانية تطبيقها على الواقع، فكلاهما أداة تستخدم في عملية الإدارة الاستراتيجية. لذا فالتخطيط لا يعتبر كافيا للاستغناء عن التفكير الاستراتيجي، باعتبار أن التخطيط مرحلة لاحقة تأتي بعد استكمال التفكير الاستراتيجي، حيث لا يمكن أن نتصور وجود عملية تخطيط لا تستند إلى أسس فكرية حتى في الأمور المعتادة التي يقوم بها الإنسان في حياته.

وفي المقابل قد نجد بعض الخطط الاستراتيجية تتعثر أثناء التنفيذ أو لا تحقق الغايات، بسبب افتقارها للفكر الاستراتيجي الذي يوفر أرضية صلبة يبنى عليها التخطيط الاستراتيجي الناجح.

كما أن التخطيط الاستراتيجي لوحده لا يؤدي إلى صياغة الاستراتيجية بالشكل الذي تتحقق معه الغايات، لأن التخطيط الاستراتيجي يرتكز بشكل كبير على التحليل ومعالجة الأرقام وفق خطوات محددة، في حين أن التفكير الاستراتيجي يعتمد على الحدس والإبداع، وهو الإطار العام الذي تتم فيه العملية كاملة. فمن الضروري تعميق منهج التفكير الاستراتيجي لدى الأفراد قبل البدء في صياغة الاستراتيجيات ووضح خطط وبرامج العمل.

ومن جهة أخرى يمكن للتفكير الاستراتيجي أن يظهر من دون وجود عمليات التخطيط الممنهجة، فنموذج القائد العسكري الصحابي خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في غزوة مؤتة مثال واضح على أن المشهد الأساسي كان واضحا لكل القوات. أما القدرة على تصور الموقف الجديد والتحركات المطلوبة لتنفيذه وردود الأفعال المتوقعة من الخصم فهي عملية خاصة بالقائد المفكر، والتي أظهرها خالد بن الوليد حينما أسندت إليه قيادة الجيش أثناء الغزوة.

ومن هنا لا بد أن ندرك الفارق بين التفكير الاستراتيجي كمنهج وفلسفة ينتج عنه رؤية استراتيجية وبين الخطط الاستراتيجية كمسار وخطوات ومراحل يجري التحرك بناء عليها.

إن معرفة حقيقة التفكير الاستراتيجي والتعرف على خصائصه وعناصره وصولا إلى ممارسته؛ تجعلنا ننجح في ممارسة التخطيط الاستراتيجي وتحقيق غاياته، فالتفكير الاستراتيجي ليس ترفا فكريا بل ضرورة يجب أن تُنتهج. كما أن ارتفاع مستوى التفكير الاستراتيجي يعزز القدرة التنافسية للمجتمعات بأفرادها ومنظماتها، ويقدم خدمة ذات قيمة للمستفيد ويعزز فرصة المجتمعات في النمو، حيث تتجسد فائدة التفكير الاستراتيجي الحقيقية من خلال رؤيته المتبصرة لمعالم المستقبل المطلوب، والتي بدورها تمكّن من حشد الطاقات وتحديد المسارات والتوجهات والتركيز على المقاصد، وحسن التعامل مع الأحداث والوقائع من خلال استثمار عنصر الوقت، والاستعداد بالحجم الكافي من الإمكانات الفكرية والمادية والبشرية في سبيل تحقيق الطموحات والغايات.

في الختام، التفكير بشكل عام هو روح العلم، فلنستثمر هذه النعمة الربانية العظيمة التي اختص الله بها الإنسان، ولنجعل التفكير منهج حياة لنا كأفراد وأسر ومنظمات، وننشر ثقافة التفكير بشتى أنواعه في المجتمع حتى نصل لأرقى أنواعه وهو التفكير الاستراتيجي.

a_kharaan2030@