الجامعات العميقة وحلم الاستقلال!
السبت - 25 يوليو 2020
Sat - 25 Jul 2020
الخطأ من وجهة نظر فلسفية بحتة نوعان؛ أن ترفض صوابا أو أن تقبل خطأ، والعاقل من يجتهد منتهى الاجتهاد لئلا يقع فيهما، فإن عجز أو غلب عليه واقع حاله سعى ما استطاع لأن يجعل احتمالية الوقوع فيهما أقل ما يمكن، وليس هناك منطقة وسطى بين الصواب والخطأ يمكن الوثوق بها والركون إليها، ومعالجة أي خطأ صغيرا كان أو كبيرا تحتاج إلى حكمة وبصيرة، لأن معالجة الخطأ بخطأ آخر جهلا أو عمدا تفضي بصاحبها إلى الوقوع في خطأ أكبر منهما، وبدل أن يقع في خطأ واحد يقع في ثلاثة، والأخطر من هذا وذاك ألا يستطيع أصلا التفريق بين الخطأ والصواب.
في الأسبوع الماضي أعلنت وزارة التعليم استقلال ثلاث جامعات محلية، هكذا إعلان استقلال رسمي، ولو حصرنا كلمة «استقلال» في وسائل الإعلام كافة لوجدناها أكثر الكلمات تكرارا وتداولا في فترة هذا الإعلان، وسبحان الله كأن الجامعات كانت تحت احتلال أو انتداب أو وصاية! بل الأغرب والأعجب من هذا كله؛ الكم الهائل من تغريدات رفع أسمى آيات الشكر والتبريكات التي غرد بها بعض مسؤولي الجامعات المعلن استقلالها، معبرين عن فرحتهم بالاستقلال والفتح العظيم!
لا أريد أن أزاحم أو أن ألوم أحدا على مشاعره الفياضة، وحماسه واندفاعاته، مهما كانت أغراضه وأسبابه، فهذه حرية شخصية، وكذلك لا أريد أن أستغرق وقتا طويلا في تحليل دوافعه وسبل تحقيق رغباته، لأنها أمور جانبية ولا علاقة لنا بها، ولكنني سأركز حديثي - نوعا ما - على حقيقة الاستقلال، وما تقتضيه مرحلة ما بعد الاستقلال، وسأركز أيضا على الأخطاء المحتمل وقوعها جراء عملية هذا الاستقلال.
المادة الثانية عشرة من نظام الجامعات الجديد الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء في تفاصيلها تتربع شياطين الإنس والجن، كيف؟ هذه المادة تسمح بعودة المتنفذين السابقين في الجامعات إلى مواقع إدارية أو استشارية أفضل من مواقعهم التي كانوا فيها، وفي الوقت نفسه تعزز فرص البقاء والاستمرار لمن كان منهم على رأس العمل، وبالتالي وكما يقول المثل الشعبي «لا طبنا ولا راح الشر»، ولا معنى للاستقلال إن كانت هذه المادة وفقراتها تشرعن بشكل أو بآخر عودة أو استمرار هذه العقول الإدارية التي تجاوزتها كل محددات التفوق والنجاح، عفوا ثم عفوا، الوطن أكبر من هؤلاء وأكبر من منافعهم الشخصية ومن مجاملاتهم، ومن استعطافهم بمناصب إدارية أو استمالة قلوبهم ببدلات مالية!
أي استقلال هذا الذي نحلم به وهؤلاء الأكاديميون من الرؤساء والوكلاء السابقين أو الحاليين جاثمون بقضهم وقضيضهم على مفاصل القرار الإداري في هذه الجامعة أو تلك! وأي مجلس للأمناء ننتظره أن يتشكل إن تشكل -لا سمح الله- فمن تجار الأبحاث التطويرية ومستنفعي اللجان الدائمة ومستحوذي البدلات المالية! ونحن إن وقعنا في فخ هذا الاستقلال قبلنا نتائجه ورضينا بها، وأصبحنا كمن يعالج الأخطاء بأخطاء مثلها، أو أشنع منها، أو كنا بفعل فاعل أو تأثير عامل لا نستطيع التمييز بين الخطأ والصواب.
هذا الاستقلال المزعوم الذي طارت به ذوات الأسمى والتبريكات في الجامعات المستقلة وغير المستقلة ليس استقلالا إداريا، و لا هو استقلال مالي، بل هو تكريس لمفهوم الإدارة العميقة، وكذلك نظام الجامعات نفسه ليس جديدا، وإنما هو إعادة صياغة لنظام التعليم العالي بشكل ما ليحافظ على أسسه وأطره العامة، وقد استعجلت الوزارة في عرضه على الجهات العليا وفي إقراره، والآن في تنفيذه مرحليا، وكل هذه المحاولات معالجات غير صحيحة لأخطاء سابقة ومتراكمة، وكما قلنا إن عملية معالجة الخطأ بخطأ آخر تنتج أخطاء هي أشد ضررا وأكثر وجعا.
وحتى يكون الاستقلال استقلالا حقيقيا، لا صوريا، ينبغي أولا تغيير كل أدوات ورموز المرحلة القديمة والاستغناء عنها كليا، والتوقف عن مجاملتها على حساب الوطن ومقدراته، ولا بد من انتخاب مجلس أمناء يتمتع بالشفافية والموضوعية، وقبل ذلك تكوين مجلس الجامعات، وعلينا ألا نؤسس منطلقا لمفهوم الجامعات العميقة بسكوتنا على القيادات الأكاديمية الحالية في مركز القرار أو باسترجاع القيادات القديمة، يكفي، يكفي معالجة الأخطاء بالأخطاء، ويكفي تجاهل القيادات الوطنية الحقيقية!
drbmaz@
في الأسبوع الماضي أعلنت وزارة التعليم استقلال ثلاث جامعات محلية، هكذا إعلان استقلال رسمي، ولو حصرنا كلمة «استقلال» في وسائل الإعلام كافة لوجدناها أكثر الكلمات تكرارا وتداولا في فترة هذا الإعلان، وسبحان الله كأن الجامعات كانت تحت احتلال أو انتداب أو وصاية! بل الأغرب والأعجب من هذا كله؛ الكم الهائل من تغريدات رفع أسمى آيات الشكر والتبريكات التي غرد بها بعض مسؤولي الجامعات المعلن استقلالها، معبرين عن فرحتهم بالاستقلال والفتح العظيم!
لا أريد أن أزاحم أو أن ألوم أحدا على مشاعره الفياضة، وحماسه واندفاعاته، مهما كانت أغراضه وأسبابه، فهذه حرية شخصية، وكذلك لا أريد أن أستغرق وقتا طويلا في تحليل دوافعه وسبل تحقيق رغباته، لأنها أمور جانبية ولا علاقة لنا بها، ولكنني سأركز حديثي - نوعا ما - على حقيقة الاستقلال، وما تقتضيه مرحلة ما بعد الاستقلال، وسأركز أيضا على الأخطاء المحتمل وقوعها جراء عملية هذا الاستقلال.
المادة الثانية عشرة من نظام الجامعات الجديد الخاصة بتشكيل مجلس الأمناء في تفاصيلها تتربع شياطين الإنس والجن، كيف؟ هذه المادة تسمح بعودة المتنفذين السابقين في الجامعات إلى مواقع إدارية أو استشارية أفضل من مواقعهم التي كانوا فيها، وفي الوقت نفسه تعزز فرص البقاء والاستمرار لمن كان منهم على رأس العمل، وبالتالي وكما يقول المثل الشعبي «لا طبنا ولا راح الشر»، ولا معنى للاستقلال إن كانت هذه المادة وفقراتها تشرعن بشكل أو بآخر عودة أو استمرار هذه العقول الإدارية التي تجاوزتها كل محددات التفوق والنجاح، عفوا ثم عفوا، الوطن أكبر من هؤلاء وأكبر من منافعهم الشخصية ومن مجاملاتهم، ومن استعطافهم بمناصب إدارية أو استمالة قلوبهم ببدلات مالية!
أي استقلال هذا الذي نحلم به وهؤلاء الأكاديميون من الرؤساء والوكلاء السابقين أو الحاليين جاثمون بقضهم وقضيضهم على مفاصل القرار الإداري في هذه الجامعة أو تلك! وأي مجلس للأمناء ننتظره أن يتشكل إن تشكل -لا سمح الله- فمن تجار الأبحاث التطويرية ومستنفعي اللجان الدائمة ومستحوذي البدلات المالية! ونحن إن وقعنا في فخ هذا الاستقلال قبلنا نتائجه ورضينا بها، وأصبحنا كمن يعالج الأخطاء بأخطاء مثلها، أو أشنع منها، أو كنا بفعل فاعل أو تأثير عامل لا نستطيع التمييز بين الخطأ والصواب.
هذا الاستقلال المزعوم الذي طارت به ذوات الأسمى والتبريكات في الجامعات المستقلة وغير المستقلة ليس استقلالا إداريا، و لا هو استقلال مالي، بل هو تكريس لمفهوم الإدارة العميقة، وكذلك نظام الجامعات نفسه ليس جديدا، وإنما هو إعادة صياغة لنظام التعليم العالي بشكل ما ليحافظ على أسسه وأطره العامة، وقد استعجلت الوزارة في عرضه على الجهات العليا وفي إقراره، والآن في تنفيذه مرحليا، وكل هذه المحاولات معالجات غير صحيحة لأخطاء سابقة ومتراكمة، وكما قلنا إن عملية معالجة الخطأ بخطأ آخر تنتج أخطاء هي أشد ضررا وأكثر وجعا.
وحتى يكون الاستقلال استقلالا حقيقيا، لا صوريا، ينبغي أولا تغيير كل أدوات ورموز المرحلة القديمة والاستغناء عنها كليا، والتوقف عن مجاملتها على حساب الوطن ومقدراته، ولا بد من انتخاب مجلس أمناء يتمتع بالشفافية والموضوعية، وقبل ذلك تكوين مجلس الجامعات، وعلينا ألا نؤسس منطلقا لمفهوم الجامعات العميقة بسكوتنا على القيادات الأكاديمية الحالية في مركز القرار أو باسترجاع القيادات القديمة، يكفي، يكفي معالجة الأخطاء بالأخطاء، ويكفي تجاهل القيادات الوطنية الحقيقية!
drbmaz@