محمد أحمد بابا

السجين تخين والزنزانة ضيقة!

الأحد - 03 يوليو 2016

Sun - 03 Jul 2016

في لقطة عاجلة سمعت في مطالعات الصحف قبل سنوات أن سجينا في إحدى الدول تم الإفراج عنه بسبب أنه بدين جدا ولم تستطع المساحة المخصصة له في السجن أن تسعه وما يحمله من أرطال الشحم واللحم.

قادني هذا الخبر لأتخيل أن يكون في برامج المخططين لمستقبل متطور ومتحضر التفكير في سجون تناسب كل المقاسات وكل الاعتبارات لتستطيع القوى القضائية تنفيذ أحكامها على الجميع بحد سواء في الكيفية والتطبيق.

وقادني كذلك لتذكر خبر آخر مشابه في نفس اليوم له مفارقة معينة مفاده: أن دولة أخرى - غربية بالطبع - فتحت تحقيقا في بعض سجونها بحثا عن تقارير تثبت وجود (زنزانات) من نوع فاخر ولها درجات ومواصفات وتعاملات مختلفة وفق تصنيف الفنادق من نجمة حتى خمس نجوم لمساجين في حقوق عامة وخاصة.

غير أنني تذكرت أن السجن (للجدعان) وهذا التخين فقد هذه الصفة بسبب جسمه الذي ترهل وأصبح لا يقوى على الحركة خاصة وأن هؤلاء الذين أصدروا القرار بالإفراج عنه نظروا لمبدأ في غاية البعد والنضوج وهو: أن الغرض من السجن هو الحبس وتقييد الحركة إلا في مناطق محددة وموقع مرسوم، وهذا البدين مسجون داخل جسمه بهذه الكميات الهائلة من الأحمال التي لا تفارقه أينما ذهب.

فقد تحقق إذن الغرض الذي من أجله أودع هذا المكان، ووفرت له زنزانة متحركة تأسره أينما توجه، ومن الممكن أن تزيد عن مدة محكوميته إن لم يسارع بتقديم أوراقه لبرنامج (الرابح الأكبر) أملا في جسم يخدمه بقية حياته.

لكن الجانب الذي لا أظن مجتمع هذا السجين يغفله هو الاحتماليات التي أودت بهذه الحالة المفرطة من البدانة: فإن كان قد سجن وهو بهذه الحالة فالمحير في الأمر أي جريمة ارتكبها تناسب ما تدعو إليه (الكاريزما) و(البودي) الخاص به؟ إلا إذا كان من باب التوجيه والتحريض أو السقوط من أعلى على أحد المارة النحيلين فقتله أو كتم أنفاسه.

وإن كانت هذه الحالة من زيادة الوزن اكتسبها في السجن، فتلك معضلة وقضية مهمة وسانحة لأي محام يريد صيدا إعلاميا وثورة يربح منها شهرة ومالا، ويشغل بها رأيا عاما ومؤسسات حكومية، وذلك بحثا عن برنامج الرعاية الصحية للسجناء ونوعية الطعام وحصص الرياضة والبيئة الداخلية وطبيعة التعامل النفسي والسلوكي للسجانين والمسؤولين، مما قد يكون هو مفتاح إخراجه هروبا من المسؤولية ودفع التعويض والمحاكمة.

أما أولئك الذين وفروا لأنفسهم حياة مرفهة داخل سجونهم بنفوذهم المادي أو المعنوي وبطريقة يقال عنها غير مشروعة، ألم يكن بإمكانهم استغلال هذا النفوذ والمال للهروب أو الخروج من السجن بدل البقاء فيه وحياة كهذه اسمها أولا وأخيرا سجن!

وماذا لو كان هذا السجين قد اكتسب تلك الصفة وهي البدانة في سجنه قضاء وقدرا أو بسبق إصرار وترصد من ذاته ونفسه وانتهى الأمر أن أمر بالإفراج عنه قبل انتهاء مدة عقوبته، أليس ذلك مدعاة لسجناء آخرين في زيادة أوزانهم بسرعة خيالية حتى يفرج عنهم، خاصة أولئك الذين يحملون طبيعة (بيولوجية) تمكنهم من (التخن) في وقت قياسي ولو بشطيرة خبز يوميا ونصف كوب من حليب.

ولو سمحت لفكري بإسقاط استخدام المنطقية التي تدور حول بدانة هذا المفرج عنه على الواقع لوجدت أولى المحطات تقول: بأن الورم والتورم وزيادة الكتلة والحجم تفضي بالجسم خارج الدائرة التي هو فيها، لذلك يسعى كثير ممن حملوا ذنوب المجتمع وقعدوا عن القيام بمسؤوليات أوكلت إليهم إلى زيادة أحجامهم وأبدانهم وأحمالهم، وغلفوا أنفسهم بأغلفة تفوق أضعاف وزن أحدهم حتى يخرجوا من دائرة العتب وملاحقة الملام وأزمنة المكاشفة كهذا السجين التخين.

وأخيرا هل لو تورم الواقع في (غزة) أكثر من ورمه المؤلم حاليا وأصبح القطاع غير قادر على احتواء البدانة التي اكتسبها الألم جراء الجرعات المتتالية والمتلاحقة من الحرمان والظلم والحصار سينظر السجان في أمرها ويفرج عنها يوما ما؟!.



[email protected]