صالح عبدالله كامل

العيد.. هذه الفرحة الإسلامية الكبرى

السوق
السوق

الاثنين - 04 يوليو 2016

Mon - 04 Jul 2016

لا أدري لماذا يرتبط عندي العيد بوالدي، أمي وأبي، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته.. وربما لأن ذكريات الأعياد الأولى، والمقترنة بفترة إدراك الطفل لبعض المعاني الجديدة، مثل الملابس الجديدة والعيدية، أو الحلويات هي أول ما يدركه الطفل من طعم حلو غير حليب أمه.. وبالتالي فكل هذه المعاني وكل هذه الأحاسيس مرتبطة بالوالدين، بالإضافة إلى التغير الحركي وزيادة النشاط في أيام الأعياد، فالأم هي مدبرة المنزل ومديرته وهى المشرفة على ما يجب أن يحدث من تغيرات استعدادا لدخول العيد، والأب هو الذي يتولى إدارة التحركات الخارجية.. وتنسيق عمليات الانتقال ما بين القماشين والخياطين والنقلية، ودكاكين الجملة أو القطاعي، فالعيد يعني الماسية ومهلبية.. وكنا صغارا نراقب هذه التحركات والاستعدادات وكلما كبرنا سنة زادت مشاركتنا في هذه العمليات، وزاد احتكاكنا بأبطالها، أمي وأبي وإخواني، يرحمهم الله.. خاصة أن العيد هو موعد الفرح وهو موعد الجائزة التي يحصل عليها المسلمون بعد شهر من الصيام والقيام.. أرجو من الله أن يكون قد تقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأسأل الله جل في علاه، أن يجعل عيد هذا العام أفضل حالا وأقل هجرة وترحالا من أعوام مضت لا تقل عن الأربعة.. تمزقت فيها العديد من مواطن الفرحة في العيد، وتشتت ملايين الأسر العربية وأطفالها الذين ولدوا من نحو هذه السنوات الأربع، ربما معظمهم لا يدري ما هو العيد، بعدما تساوت عنده في البؤس والشقاء كل الأيام، وصار صوت الرصاص وأزيز الطائرات وهدير الدبابات هو الصوت المصاحب لصباحه ومسائه حتى غدا جزءا من لحن حياته الحزين.. وربما إحساسي بألم هذا المشهد الذي ساد على الرؤية العربية هذه الأيام منذ أن عرفت - ثورات الحريق العربي - طريقها إلى ساحاتنا العربية العامرة فأحالتها ركاما وأهلها أشلاء ومشردين ونازحين.. أقول ربما الإحساس بألم هذا المشهد، لا يفوقه إلا الإحساس بألم الآباء والأمهات، الذين لا يزيدهم العيد إلا تعسا وشقاء، والأعياد تأتي وتذهب والأم لا تجد بيتا تهيئه، ولا فرشا تنجده، ولا حتى درجا تنظفه.. والأب.. عاجز حتى عن التحرك خارج خندقه أو داخل خيمته، ولا حتى في فضاء العراء الذي فرض عليه، وهو يحلم بدكان يأتي منه بالحلوى لأولاده، أو يذهب بهم إلى دكان الخياط ليشتري ولو قطعة واحدة لكل طفل بقي عنده بعد أن أزهقت الغارات أرواح بعضهم الآخر.. وصار لا هم للأب والأم معا.. إذا بقيا أحياء معا، إلا انتظار قوافل الإغاثة عل من بين أصنافها صنفا واحدا حلوا.. كنت وأنا طفل صغير، أتساءل، لماذا كل هذا الجهد الذي يبذله أبواي من أجلنا في العيد، رغم ما كانا يبذلانه في الأيام العادية من جهد ربما لم نكن ندركه، لأن جهد العيد كانت البسمة مرافقة له رغم مضاعفته، والاهتمام بنا وبحاجاتنا كان مصحوبا بالدعاء لنا وإظهار كل كوامن المحبة والحنان.. نعم العيد هو في الظاهر من أجلنا نحن الصغار.. ولكن ما تعلمته حين أصبحت أبا وجدا فيما بعد.. أن العيد الحقيقي في مظهره وجوهره هو للأمهات والآباء والأجداد.. بمقدار ما يوفقهم الله في إدخال السعادة والسرور على قلب صغارهم حتى تفيض عيونهم سعادة ورضا لا يخالجها شيء من نقص أو حرمان، ذلك أن الحرمان شيء ممنوع في العيد طالما كان بالإمكان الكمال - والكمال لله وحده - ولهذا فإن إدخال السعادة على قلوب الناس من الأعمال المحببة إلى رب الناس وإلى الناس أجمعين. ومع هذا آثر كثيرون البقاء في بقاعهم واللجوء إلى الله، فهو وحده القادر على كشف كربهم وإيقاف ضربهم والذي دفع ببعضهم إلى الرحيل رغم مرارته، وإلى المجهول رغم قساوته، وكأني بأم تقول لصغارها: إني أخاف إن انتقلنا من هذا الوطن، يخرج من أيدينا هذا السكن، ولا نحصل على مأوى يليق، أو لا توافقنا الغربة أو يمنع مانع في الطريق، فنقصد الربح، فإذا برأس المال يضيع، إنه وطننا مسقط رأسنا ومحل أنسنا، ولا أرى بدا من ملازمة الوطن القديم، والعيش تحت تقدير العزيز العليم. اللهم أنت القادر وحدك على أن تعيد الفرحة إلى عيون الصغار والأمن والاستقرار إلى كل الديار.. اللهم اجعله عيدا سعيدا على أمة العرب والمسلمين وأعده بكرمك وجودك علينا أعواما عديدة، ونحن والعالم كله في أمن وسلام واستقرار.. لتصبح عبارة كل عام وأنتم بخير دعوة ورجاء باستمرار. صحيح أن هناك أمورا ليست بأيدينا، وظروفا تفوق قدرتنا، ولكن يبقى لكل قادر ولكل مستطيع دور في العيد، يجب عليه أن يمارسه وأن يؤديه.. إن صناعة الفرح أسهل بكثير من صناعة الأحزان.. وأن نشر البسمة والبشاشة من روح الإيمان.. ولا أظن أن منا من تكتمل فرحته وأولاده إذا ما كان لهم جار لا يشكل العيد له أي سعادة أو أطفال لا يرتدون في العيد ولو قطعة واحدة من اللبس الجديد.. إن علينا معا أن نتجاوز قليلا إدخال كامل السعادة إلى بيوتنا وأن ندخر لكل محروم محيط بنا من أهلينا أو جيراننا جزءا ولو قليلا من هذه الفرحة الإسلامية الكبرى.. خاصة في زمن الحزن الشامل بفضل الإعلام الداكن الذي ركز على المآسي والدمار أكثر من الفرحة والإعمار.. وجعل اللون الأسود غالبا وسائدا.. حتى نسي كثير من القلوب الفرح، وانطمست صور البهجة في كثير من العيون، خاصة عيون الأبرياء.. ولا شك أن للأسرة الأصيلة أدوارها الجميلة في نثر السعادة حول دارهم، ونشر المحبة ونقلها من بيتهم لجارهم. ولقد كان للأعراف السائدة قديما والتي لم تزل بعضها جارية في أماكن متفرقة، والتي ألهمت أولادها أن الفرح بالعيد ليس ثوبا جديدا وعيدية نقدية فقط، ولكنه مشاركة جماعية لكل محيطهم، وربما ساعدت على تأصيل هذه المفاهيم يوم كان أهل الحي كلهم أهلا، وأطفال الحي كلهم إخوة وأحبة.. قبل أن تسهم الحركة العمرانية الشاملة.. والمشاريع الحيوية الكاملة في توسيع رقعة السكان، وتغير المكان، فاختلف الزمان.. وأصبحت تلك الأمور حكاية.. كنا وكان.. ولكن الرحمة والعطف والحنان، التي أسكنها الله قلوب عباده لا تقف عاجزة عن التواصل بكل وسائل الاتصال، بعد أن أصبح مجرد السؤال كافيا لإدخال السرور وإيقاد الشموع وإهداء الزهور.. كان فضل الله عظيما على كل من تعاقبت عليه الأعياد وهو مع والديه وإخوانه في دار واحدة.. فقد كان مجرد اجتماع الأسرة الواحدة على سفرة الإفطار بعد صلاة المشهد في الحرم المكي أو النبوي الشريف، بكل ما عليها من «دبيازة» وزلابية، وشريك وأجبان، وحلويات أبو نار أو حلويات من غير نار.. زادا يكفي لغرس السعادة في النفوس حتى موعد العيد الآخر.. وإن كانت بعض الأسر ما زالت رغم تباعد المسكن، تخطط على أن يتم هذا الإفطار العيدي السعيد في منزل كبير العائلة أو كبيرتها.. حتى تتراكم الذكريات السعيدة.. ولا تنقطع هذه العادات الحميدة.. كل عام وأنتم بخير.. كل عام وكبير مملكتنا وعاهلنا بخير.. كل عام والمملكة ولاة وشعبا وحكومة بخير. كل عام وأهل الخير في خير ومن خير إلى خير. كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير وسلام.