أحمد الهلالي

فساد الجبري في وزارة حساسة جدا!

السبت - 18 يوليو 2020

Sat - 18 Jul 2020

كنت أستغرب سماع تكلفة المشروعات الحكومية، فنادرا ما تسمع بمشروع قيمة عقده أقل من عشرة ملايين ريال، ثم صعودا إلى مئات الملايين، وقد يصل المليار، وفي الوقت نفسه أسمع عن المشروعات نفسها أو قريبة منها بتكلفة أقل في دول مجاورة كالإمارات ومصر، وأحيانا في سنغافورة وماليزيا، وأحيانا أوروبا عبر البرامج الوثائقية، فأقول في نفسي: ربما اشتراطاتنا للمواصفات والجودة أعلى من تلك المشروعات، وأحيانا أتخيل سيناريوهات أخرى، فأستعيذ بالله من نزغ الشيطان.

واليوم أكتشف أن ذلك الشيطان الذي كنت أستعيذ منه كان راتعا في قلوب بعض المسؤولين والمتنفذين الفاسدين، الذين كوّنوا ثروات طائلة من سرقة المال العام ونهب مقدرات الوطن، فالقضية التي نشرتها (وول استريت جورنال) عن المسؤول السابق في وزارة الداخلية سعد الجبري تقشعر لها أبدان عتاة الشياطين والمردة بعد قسمه الغليظ أمام الملك، فقد كان يستغل ثقة ولاة الأمر والمواطنين، ولم يردعه شيء حتى حين كان المقام مقام حرب على الإرهاب والإرهابيين، و(حضرته) مشغول بالاستيلاء على أكبر قدر من مخصصات الحرب على الإرهاب، والدخول في صفقات التربح على حساب المال العام مع شركات الداخل والخارج، وإشراك من يريد من أقاربه وعصابته في مشروعه الإجرامي الخطير.

تأملوا الحسبة الآتية: اشترى الجبري بحسب «وول استريت جورنال» أجهزة اتصال (هاتف أرضي ثابت وهاتف أمني محمول) عددها 4000 قطعة، قيمة القطعة 11 ألف دولار، لتصبح التكلفة 44 مليون دولار ما يعادل 165 مليون ريال سعودي، وقيمتها بحسب الخبراء والمحققين 500 دولار لكل قطعة، لو افترضنا ذلك ستكون تكلفتها مليونا دولار فقط، أي إن 42 مليون دولار تعادل 157 مليون ريال ونصف المليون قد سرقت في هذه الصفقة الصغيرة، فما بالنا بصفقات أكبر، وقد كان تحت يد الجبري ما يزيد على 11 مليار دولار!

فساد الجبري حساس جدا لأنه في وزارة حساسة جدا، كانت تهيمن على كل مفاصل الشأن الداخلي، فماذا عن فساده الإداري أو الجنائي إذا علمنا المكانة التي كان يشغلها في وزارة الداخلية، فلا يستبعد أن فساده وفساد معاونيه قد امتد إلى التلاعب بالقضايا الإدارية والجنائية على امتداد الوطن، وهذا يوجب إعادة النظر في كل شيء امتدت إليه يداه وأيدي عصابته، سواء فيما يخص المال أو قضايا المواطنين، أو حتى سحق الموظفين الذين كانوا تحت سلطتهم الإدارية من مدنيين وعسكريين، ووجوب إعادة حقوقهم الإدارية والمالية والمعنوية في حال ثبوت تضررهم من هذا المسؤول الفاسد وعصابته.

قضايا فساد كبرى تتكشف واحدة تلو أخرى، والمؤسف أن خلفها رجالات مستأمنين على الوطن ومقدراته، متنفذين إلى درجة إسكات الأجهزة الرقابية آنذاك، ثم في مأمنهم كادوا أن يلعبوا على المكشوف، وزجوا بعوائلهم وأقاربهم في أتون نار فسادهم المؤصدة، فلم يكن في حسبانهم - مطلقا - أن الدائرة ستدور عليهم!

لقد قيّض الله لهذا الوطن الطيب وأهله الصالحين عهدا سلمانيا حازما، عنوانه المقولة الشهيرة للملك سلمان وولي عهده الأمين: (لا أحد فوق القانون)، وقد ترجماها واقعا، فتجسدت بالتصدي للفاسدين والمجرمين في الداخل والخارج (أفرادا ومنظمات وكيانات ودولا)، كشفت مؤامراتهم وألاعيبهم وحوسبوا حسابا عسيرا، فلم يكن وعدا فحسب، بل كللته الوقائع بالوفاء منذ وقائع (ريتز كارلتون الرياض) وما بعدهها، والمفاجآت مستمرة لاستعادة أموال الوطن من السراق والمحتالين، لاستثمارها في البناء والتنمية.

نحن جميعا مع القيادة الحكيمة في حربها على الفساد، ونزجي لها الشكر الجزيل العميق حين انتزعت الوطن بقوة وشجاعة وإرادة صادقة من محيط متلاطم بالمجرمين والانتهازيين والفاسدين والكائدين، وسمت به إلى مرتبة مستحقة، ليواصل سموّه إلى المجد المنشود أنموذجا حقيقيا للوطن المثالي المضيء لمواطنيه وبهم، وناشرا الضياء والحضارة والخير للبشرية.