ياسر عمر سندي

أزمة ما بعد الأزمة

الأربعاء - 15 يوليو 2020

Wed - 15 Jul 2020

بعد قرار عودة الناس إلى حياتهم الطبيعية، ورجوع معظم الموظفين إلى وظائفهم، والمراجعين إلى تفقد معاملاتهم، وعودة الحياة الاقتصادية مجددا لكل مهتم، اقترن مع تلك العودة الحذرة ما يقابلها من بزوغ أزمة حذر أيضا، وظهرت آثارها المتعدية تدريجيا على جميع الشرائح المجتمعية في العالم بأسره، حيث وصلت بعضها للاضطرابات والهلع المرضي وعدم الاستقرار النفسي والمجتمعي، بعد الوقوف على تلك الحالات ومراقبة بعض المواقف المستجدة بعد الأزمة العالمية من انتشار وباء كوفيد 19 «كورونا»، والذي تسبب في حدوث ضربات ارتدادية أثرت وأثارت ما كان في حالة السكون النفسي، والكمون المجتمعي.

وتتشكل الأزمة من خلال ظهور آثار العرض النفسي لفئة معينة، مثل الهشاشة النفسية وما يتبعها من اختلال واعتلال وانكسار بسبب انعدام التوافق بين الفرد ونفسيته، هذا يدعونا إلى النظر غلى الخلف قليلا، منذ بداية الأزمة، بدأ تداول الأخبار عبر وسائل الإعلام الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعية، ثم ما قابله من حالات الاستهتار والاستنكار إلى أن وصل حد انتشار الإصابة بكورونا، مما دعا الدولة إلى التدخل العاجل باتخاذ التدابير الأمنية والصحية في الوقت المناسب، من حيث إيقاف الرحلات الدولية والصلوات في المساجد ووقف الذهاب إلى الأعمال العامة والخاصة، وتعليق المنظومة التعليمية والاكتفاء عن بعد، إلى أن وصل الحال إلى المنع التام حفاظا على الأرواح البشرية.

الشاهد في الأمر أنه بعد التخلص التدريجي من أزمة المنع بدأت أزمة ما بعد العودة لدى البعض، من حيث صعوبة التأقلم والتقبل والتعامل، وصاحب ذلك أيضا ارتفاع في درجات الحساسية السلوكية لفئة من الأفراد تجاه مجتمعاتهم وأقاربهم وأصدقائهم ووظائفهم، وباتوا يعيشون في غربة الهوية للمكان والزمان والإنسان، وتنامي الشعور لديهم بالتوتر والقلق وأحيانا الإحباط، وانعدام الرغبة في ممارسة الأنشطة الروتينية، والمعاناة الحاصلة لحالة عدم الرضى تجاه الوظيفة والمنظمة وزملاء العمل، والصعوبة في تقبل توجيهات المديرين والرؤساء، وانخفاض الروح المعنوية، والخمول السائد في الدوام، والجفوة في التعامل مع زملاء العمل وتدني الأداء والإنتاجية.

كذلك هو الحال على المستوى المجتمعي من شدة الحذر لدى البعض، مما أدى بهم للرهاب الاجتماعي والخوف من الزيارات، وكذلك الحال بين الأصدقاء، فهنالك من يخشى تلك اللقاءات وتعتريه الرهبة والوسوسة، والتي عانت منها الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، والتي انتقلت لديهم من حالة الخوف الطبيعي إلى معضلة الخوف المرضي جراء فقدهم لوظائفهم ومصادر دخلهم، وشعورهم بعدم الأمان، جميعها أعتبرها أزمة ما بعد الأزمة.

من وجهة نظري السلوكية والمعرفية أرى أن أزمة ما بعد الأزمة أنتجت وصنفت مصطلحا مرضيا جديدا قد يضاف إلى قائمة الأمراض النفسية، وهو «فوبيا كورونا»، من خلال الحالة النفسية التي ارتبطت بطول فترة الانغلاق المكاني والزماني، وحالة الرفض النفسي أيضا لعودة الحياة إلى سابقها، والتغيير المفاجئ للسلوكيات نتيجة عدم التوافق والتأقلم.

وفي رأيي أن العودة إلى النفسية السوية والمزاجية المعتدلة تحتاج لمهارة الوعي والإدراك من المديرين والمسؤولين في التعامل مع هذه الحالات، بتعزيز الجانب الإنساني في المنظمات وتقديم الدعم والمساندة والاستشارات والدورات السلوكية للموظفين، وتأجيل تطبيق العقوبات والحسومات حتى إحداث التوأمة بين الموظف والوظيفة، خاصة لحالات الموظفين الذين فقدوا جزءا كبيرا من رواتبهم.

وعلى الجانب المجتمعي بين الأقارب والأصدقاء يتطلب الوضع تكثيف الجهود من وسائل الإعلام ومراكز الاستشارات النفسية والاجتماعية، في بث الوعي العام للجميع بكيفية إحداث التأليف والتآلف، والعمل بأخلاقيات التساهل والتجاهل والتغافل، لمراعاة الأفراد المتأثرين نفسيا لتحقيق فرصة استعادة قدراتهم بترميم شخصياتهم وصيانتها وصقلها لتجاوز الأزمة، فإفرازات ما بعد الأزمة هي قمة الأزمة.

@Yos123Omar