عمار براهمية

العالم وقضايا التنمية الاقتصادية العادلة

الاحد - 05 يوليو 2020

Sun - 05 Jul 2020

كان لمسؤوليات الحكومات تجاه المجتمعات أثر بالغ في تحديد توجهات هذه الأخيرة في شتى المجالات، كما أن للبدايات التي انطلقت منها هذه المجتمعات الدور الأساسي في إفراز نماذج يمكن إسقاطها من نواح عديدة على طريقة تفكير حكوماتها، ونظرا للتداخل في المسؤوليات (السياسية/الاجتماعية) تجاه واقع معين بين المجتمع والدولة الذي قد يصل أحيانا حد الخلط بين المؤثر الإيجابي والسلبي، تستمر مشاكل التنمية الاقتصادية بكيفية يصعب فيها تنفيذ البرامج المفيدة ذات المنفعة العادلة لتتحول درجة صعوبتها وتعقيدها إلى حد نمو الثروات مقابل نمو الفقر.

وتعد هذه المعادلة تحديا حقيقيا كونها غير منطقية لكن مكرسة كواقع بكيفية يصعب معها تطبيق مختلف النظريات الاقتصادية التي تعطي تفسيراتها الحديثة للظواهر الاقتصادية المعبر عنها أساسا بمؤشرات اقتصادية، وعلى سبيل المثال مؤشر الفقر نجده جغرافيا موزعا بكثافة في مناطق غنية بالثروات، ومؤشر البطالة أيضا يتركز أساسا لدى المجتمعات التي تكون نسبة الشباب فيها عالية جدا، والأمر نفسه بالنسبة للمؤشرات الحديثة التي تصدرها الهيئات الدولية، ومنها مؤشر الفساد حيث إن هذا الأخير منتشر في الدول التي لها أكبر قدر من الاتفاقات الاقتصادية الأجنبية الضخمة من حيث قيمة الصفقات الدولية.

ما سبق من مؤشرات يميز بين عالمين وفق نموذج في ظاهره عادل ومنطقي، لكن واقعه مخالف ولا يتناسب مع التفسيرات الاقتصادية الحديثة، مما يفتح مجالا لمزيد من البحث في مناهج أكثر عمقا وتحليلا للسبل الكفيلة بالتنمية في عالم اليوم الذي ينقسم إلى جزأين متناقضين من حيث مستوى التنمية الاقتصادية، ومختلفين من حيث التحديات، ولكن رغم كل ذلك فهما مكملان في الوقت نفسه، لأن المجتمعات التي لها مستويات تنمية عالية استفادت بالأساس من نظيرتها الأضعف حظا في التنمية وبشكل لا يمكن لها الاستغناء عنها معه.

إذن التقسيم السابق غير عادل ويكرس للمعيار نفسه باتجاه تصاعدي ليصل لدى بعض المجتمعات للحد الذي تنتهي معه فرص التنمية لتصبح التناقضات الاقتصادية مؤكدة وجلية، مثلا: لماذا الثروات تساوي الفقر؟ كيف للطاقات الشبابية أن تقابلها بطالة؟ لماذا مستوى التعاملات الاقتصادية الأعلى معناها استشراء الفساد؟ لماذا نمو الصادرات يقابله تضاعف التبعية؟ لماذا زيادة الدخل تفعل تدني مستوى المعيشة؟ ليصبح من الضروري التوجه نحو تفسير يؤخذ بثنائية هذه التناقضات لفهم حقيقة التحديات التي تحول دون الوصول إلى نقطة البداية الصحيحة للتنمية الاقتصادية في عالم تتزايد فيه التناقضات.