فارس محمد عمر

جدران

الجمعة - 01 يوليو 2016

Fri - 01 Jul 2016

يحفر طبيب سنك أو يخيط جرحك ويؤلمك. يتركك موظف تنتظر حتى يعطلك. تنبّه هذا وأولئك لئلا يتمادوا، وإلا تركتهم لغيرهم. أكلمك وأغالي وأنشئ وأتطاول، فلا تنبهني ولا تتركني، فأعاود الكلام، وتبقى صامتا ملازما لي فتغريني بالإسهاب ثم بالخوض في كل شيء. فلما أعتاد على سماع نفسي ولا سواي يتكلم، أصدّق نفسي في كل ما أقول، حتى إذا ما برز مرة صوتك أو غيرك، يستفسر أو يتعجب أو يؤكد، تراني أغضب كأنما شهدت جريمة!

امتناعك، وآخرين معك، عن مشاركتي الكلام مرة بعد مرة يوهمني بقبول وموافقة كل من يسمعني، ويؤكد لي إعجابهم بي، فألقي بالأخبار والآراء والمعلومات، أثرثر وأستبد بالكلام حتى فيما لا أعرف، وقد أكذب، متشدقا فاقدا زمام نفسي، مجلجلا متخيلا أن من أمامي لا يعي ولا يرد، بل يأخذ عني كل شيء، فأصير بتلك الحال الشاذة كأني قاصر أو مختل يتحدث إلى جدران! ما أكثر حصول ذلك كل يوم في كل مكان، لكن البلاء ليس في الثرثار وحده، بل في من حوله!

ابتدعنا وأوجبنا على أنفسنا أسبابا للصمت مع طول المكث، هي أقبح من أن تذكر، صنعناها من فراغ ولا أصل لها.

زهدك في التعبير مع أي شخص لا يفرض جلستك كأن على رأسك الطير، بل هو ذل وضعف وخسارة منك. العاجز مع أهل الهذر والتأليف والتكلف عليه أن يرجع إلى دستورنا، إلى كتاب مولانا، جل جلاله، وسيرة سيدنا، عليه الصلاة والسلام، لعله يتعلم الحوار المثمر مع كل كبير وصغير وقريب وبعيد وصديق وغريب، فيجتنب ما لم يقره الله ولا رسله أجمعون، ولا يكون جدارا فاشلا بإمعيته واتباعه للعبد بدلا من الحق، لكي يستفيد ويفيد ويؤجر. نحن نفارق شهر تدبر وتغيّر وأمانة وتفاهم وتواضع، فهل من مُدّكر؟