أحيانا تكون نتائج الحرب أكثر بشاعة من الحرب نفسها. بعد سقوط هتلر والاستسلام غير المشروط لألمانيا النازية في 7 مايو 1945، غاصت ألمانيا في هاوية من الرعب: مدن تحولت إلى ركام دون ماء أو كهرباء؛ جثث منتشرة في الشوارع المليئة بالحفر التي سببتها القنابل؛ ومدنيون معرضون لمخاطر الأوبئة والاغتصاب والمجاعة. تقول لارا فيجل في كتابها «الطعم المر للانتصار» إن زيارة ألمانيا المهزومة كانت بمثابة رؤية مشهد من مشاهد يوم القيامة، كان المؤشر الوحيد على وجود الحياة هو النساء اللاتي وظفهن الحلفاء لتنظيف جبال الأنقاض باليد.
« ثمار انتصار ألمانيا في الحرب غريبة ومرَّة حيث وصل عدد ضحايا القصف إلى نحو 40,000 مدني »
نظرة الغرباء
يتحدث كتاب «الطعم المر للانتصار» عن ألمانيا في الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، بالتحديد من 1944 إلى 1949، من وجهة نظر الغرباء عن ألمانيا، بالإضافة إلى بعض الألمان البارزين الذين كانوا في المنفى. كانت هناك عدة أسباب لزيارة ألمانيا في فترة ما بعد الحرب –الفضول، الأعمال الخيرية، أو حتى بدافع روح الانتقام. أما الحافز الذي يخص القارئ المعاصر فهو الاعتقاد بأن التجديد يجب أن يأتي من خلال الحضارة والثقافة. تقول الكاتبة إن «الكتاب والفنانين كانوا يُعتَبَرون أساسيين في ضمان تسوية سلمية بعد الحرب ليس فقط في ألمانيا ولكن في أوروبا بشكل عام.»
القضاء على النازية
ولكن الأولوية بالطبع كانت تتعلق بإيجاد الطريقة الأفضل لإنقاذ ألمانيا. هل كان كل فرد في ألمانيا المهزومة نازيا؟ الإجابة على هذا السؤال قدمها كتيب كانت الحكومة البريطانية توزعه على الجنود المتجهين للانضمام إلى قوات الحلفاء التي تحتل ألمانيا. يقول الكتيب إن «الألمان لا ينقسمون إلى ألمان طيبين وألمان أشرار، لكن هناك فقط عناصر طيبة وعناصر شريرة في الشخصية الألمانية، والأخيرة منها هي التي تهيمن بشكل عام» وكانت الرؤية الرسمية للحكومة البريطانية تعتقد أن التعامل مع العناصر الشريرة في الشخصية الألمانية كفيلة بمنع ألمانيا من إشعال الحرب العالمية الثالثة. أما الولايات المتحدة فكانت لديها خطة بإزالة الطابع العسكري والصناعي من المجتمع الألماني، وكانت هذه الخطة، في حال تطبيقها، كفيلة بتحويل ألمانيا إلى مجرد مزرعة ضخمة. لكن بعض دول الحلفاء، خاصة بريطانيا، كانت ترى أن الحل الحقيقي ينبع من القضاء على الفكر النازي في المجتمع الألماني.
لا تكن لطيفا
كان تحرير معسكرات الاعتقال النازية في أبريل ومايو 1945 أول اختبار لأولئك الذين كانوا يأملون تجديد ألمانيا من خلال الثقافة. ولكن هل كان الوقت متأخرا لإصلاح ألمانيا؟ وهل كان الألمان يستحقون مساعدة الحلفاء حتى لو كان من غير الممكن القضاء على الفكر النازي؟ الصحفي البريطاني الشهير جورج أورويل (1903-1950) طرح تساؤلا هاما في صحيفة الأوبزرفر: «إلى أي مدى يتحمل الفلاح البسيط الذي يذهب إلى الكنيسة صباح كل أحد مسؤولية فظائع النازية؟» المشكلة أن الإجابة على هذا السؤال لدى الكثيرين، ومن بينهم كتاب ومفكرون معروفون، كانت أن جميع الألمان يتحملون المسؤولية وعليهم جميعا أن يتحملوا نتائج ما فعلته حكومتهم التي انتخبوها. حتى الكتيِّب البريطاني الخاص بالشخصية الألمانية كان ينصح الجندي البريطاني المتجه إلى ألمانيا بأن «لا تحاول أن تكون لطيفا.»
شخصية الألماني
على مدى السنتين التاليتين، وإلى أن قدمت الحرب الباردة نوعا جديدا من المخاطر، كان الألمان يُعاملون وكأنهم سجناء مدانون. بلغت هذه المرحلة الذروة في محاكمات نورمبرج وإعدام الناجين من القيادة النازية العليا شنقا في أكتوبر 1946.
لكن نوعا جديدا من التعاطف بدأ يظهر بين الكتاب الذين شاهدوا الدمار في برلين ودرسدن خلال هذه الفترة. ففي الوقت الذي كان فيه الكاتب الأمريكي إرنست هيمنجواي (1899-1961) وأمثاله يرون الشر في الشخصية الألمانية، كان الشاعرالإنجليزي الأمريكي وستن هيو أودن (1907-1973) وآخرون يريدون تعزيز الثقافة الألمانية انطلاقا من إيمانهم بأن «الألماني طيب».
بالنسبة لبعض الكتاب البريطانيين، كان الذهاب إلى برلين يمثل عودة إلى لندن في الفترة التي تعرضت فيها للقصف النازي المدمر ما بين 7 سبتمبر 1940 حتى 21 مايو 1941. كان الدمار في لندن شاملا في تلك الفترة ووصل عدد ضحايا القصف إلى نحو 40.000 مدني. لهذا السبب، وجد الشاعران البريطانيان وستن هيو أودن وزميله ستيفن سبندر (1909-1995) أن ثمار الانتصار غريبة ومرَّة. كان هناك شيء ما قد تغير. كان من الصعب الحفاظ على الشخصية القاسية التي كانت موجودة خلال الحرب بين الجثث غير المدفونة والناجين الذين تحولوا إلى هياكل عظمية بسبب الجوع. أيُّ مكان يمكن أن يكون للفرح والرومانسية في هذه الأرض القاحلة من الأحلام المدمرة؟
كل هذه الصراعات اجتمعت في محاكمات نورمبرج. محاكمات جرائم الحرب تشكل الجزء المركزي من كتاب «الطعم المر للانتصار»، وفقا لرؤية الكاتبة والصحفية البريطانية ريبيكا ويست (1892-1983). قليلون شعروا بالرضا في نتيجة المحاكمات. هل كانت ألمانيا كلها تتعرض للمحاكمة؟ هل إعدام كبار القادة النازيين يمحو بالفعل الخطيئة الألمانية تجاه العالم؟ بحلول عام 1946، دفع فشل قوات الحلفاء المحتلة في فهم حقيقة المشكلة الألمانية إلى بروز فكرة أن الحلفاء «خسروا الانتصار.»
الدكتورة لارا فيجل محاضرة في كلية (كينجز كوليدج) في لندن، وتتركز أبحاثها على مرحلة الثلاثينات من القرن العشرين والحرب العالمية الثانية، ولها عدة كتب وأعمال صحفية حول هذا الموضوع. تعيش فيجل في لندن.
« ثمار انتصار ألمانيا في الحرب غريبة ومرَّة حيث وصل عدد ضحايا القصف إلى نحو 40,000 مدني »
نظرة الغرباء
يتحدث كتاب «الطعم المر للانتصار» عن ألمانيا في الفترة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، بالتحديد من 1944 إلى 1949، من وجهة نظر الغرباء عن ألمانيا، بالإضافة إلى بعض الألمان البارزين الذين كانوا في المنفى. كانت هناك عدة أسباب لزيارة ألمانيا في فترة ما بعد الحرب –الفضول، الأعمال الخيرية، أو حتى بدافع روح الانتقام. أما الحافز الذي يخص القارئ المعاصر فهو الاعتقاد بأن التجديد يجب أن يأتي من خلال الحضارة والثقافة. تقول الكاتبة إن «الكتاب والفنانين كانوا يُعتَبَرون أساسيين في ضمان تسوية سلمية بعد الحرب ليس فقط في ألمانيا ولكن في أوروبا بشكل عام.»
القضاء على النازية
ولكن الأولوية بالطبع كانت تتعلق بإيجاد الطريقة الأفضل لإنقاذ ألمانيا. هل كان كل فرد في ألمانيا المهزومة نازيا؟ الإجابة على هذا السؤال قدمها كتيب كانت الحكومة البريطانية توزعه على الجنود المتجهين للانضمام إلى قوات الحلفاء التي تحتل ألمانيا. يقول الكتيب إن «الألمان لا ينقسمون إلى ألمان طيبين وألمان أشرار، لكن هناك فقط عناصر طيبة وعناصر شريرة في الشخصية الألمانية، والأخيرة منها هي التي تهيمن بشكل عام» وكانت الرؤية الرسمية للحكومة البريطانية تعتقد أن التعامل مع العناصر الشريرة في الشخصية الألمانية كفيلة بمنع ألمانيا من إشعال الحرب العالمية الثالثة. أما الولايات المتحدة فكانت لديها خطة بإزالة الطابع العسكري والصناعي من المجتمع الألماني، وكانت هذه الخطة، في حال تطبيقها، كفيلة بتحويل ألمانيا إلى مجرد مزرعة ضخمة. لكن بعض دول الحلفاء، خاصة بريطانيا، كانت ترى أن الحل الحقيقي ينبع من القضاء على الفكر النازي في المجتمع الألماني.
لا تكن لطيفا
كان تحرير معسكرات الاعتقال النازية في أبريل ومايو 1945 أول اختبار لأولئك الذين كانوا يأملون تجديد ألمانيا من خلال الثقافة. ولكن هل كان الوقت متأخرا لإصلاح ألمانيا؟ وهل كان الألمان يستحقون مساعدة الحلفاء حتى لو كان من غير الممكن القضاء على الفكر النازي؟ الصحفي البريطاني الشهير جورج أورويل (1903-1950) طرح تساؤلا هاما في صحيفة الأوبزرفر: «إلى أي مدى يتحمل الفلاح البسيط الذي يذهب إلى الكنيسة صباح كل أحد مسؤولية فظائع النازية؟» المشكلة أن الإجابة على هذا السؤال لدى الكثيرين، ومن بينهم كتاب ومفكرون معروفون، كانت أن جميع الألمان يتحملون المسؤولية وعليهم جميعا أن يتحملوا نتائج ما فعلته حكومتهم التي انتخبوها. حتى الكتيِّب البريطاني الخاص بالشخصية الألمانية كان ينصح الجندي البريطاني المتجه إلى ألمانيا بأن «لا تحاول أن تكون لطيفا.»
شخصية الألماني
على مدى السنتين التاليتين، وإلى أن قدمت الحرب الباردة نوعا جديدا من المخاطر، كان الألمان يُعاملون وكأنهم سجناء مدانون. بلغت هذه المرحلة الذروة في محاكمات نورمبرج وإعدام الناجين من القيادة النازية العليا شنقا في أكتوبر 1946.
لكن نوعا جديدا من التعاطف بدأ يظهر بين الكتاب الذين شاهدوا الدمار في برلين ودرسدن خلال هذه الفترة. ففي الوقت الذي كان فيه الكاتب الأمريكي إرنست هيمنجواي (1899-1961) وأمثاله يرون الشر في الشخصية الألمانية، كان الشاعرالإنجليزي الأمريكي وستن هيو أودن (1907-1973) وآخرون يريدون تعزيز الثقافة الألمانية انطلاقا من إيمانهم بأن «الألماني طيب».
بالنسبة لبعض الكتاب البريطانيين، كان الذهاب إلى برلين يمثل عودة إلى لندن في الفترة التي تعرضت فيها للقصف النازي المدمر ما بين 7 سبتمبر 1940 حتى 21 مايو 1941. كان الدمار في لندن شاملا في تلك الفترة ووصل عدد ضحايا القصف إلى نحو 40.000 مدني. لهذا السبب، وجد الشاعران البريطانيان وستن هيو أودن وزميله ستيفن سبندر (1909-1995) أن ثمار الانتصار غريبة ومرَّة. كان هناك شيء ما قد تغير. كان من الصعب الحفاظ على الشخصية القاسية التي كانت موجودة خلال الحرب بين الجثث غير المدفونة والناجين الذين تحولوا إلى هياكل عظمية بسبب الجوع. أيُّ مكان يمكن أن يكون للفرح والرومانسية في هذه الأرض القاحلة من الأحلام المدمرة؟
كل هذه الصراعات اجتمعت في محاكمات نورمبرج. محاكمات جرائم الحرب تشكل الجزء المركزي من كتاب «الطعم المر للانتصار»، وفقا لرؤية الكاتبة والصحفية البريطانية ريبيكا ويست (1892-1983). قليلون شعروا بالرضا في نتيجة المحاكمات. هل كانت ألمانيا كلها تتعرض للمحاكمة؟ هل إعدام كبار القادة النازيين يمحو بالفعل الخطيئة الألمانية تجاه العالم؟ بحلول عام 1946، دفع فشل قوات الحلفاء المحتلة في فهم حقيقة المشكلة الألمانية إلى بروز فكرة أن الحلفاء «خسروا الانتصار.»
الدكتورة لارا فيجل محاضرة في كلية (كينجز كوليدج) في لندن، وتتركز أبحاثها على مرحلة الثلاثينات من القرن العشرين والحرب العالمية الثانية، ولها عدة كتب وأعمال صحفية حول هذا الموضوع. تعيش فيجل في لندن.