قهوة طلال وشاهي محمد!
سنابل موقوتة
سنابل موقوتة
الأربعاء - 10 يونيو 2020
Wed - 10 Jun 2020
ثم إن مما فتن به الناس في هذا العصر الميل إلى التحزب الذي يقترب من حافة التطرف حتى للأشياء التي تقبل القسمة على الجميع.
والحقيقة أني منشغل بالكفاح من أجل البقاء كما تفعل كل الكائنات الحية، ولولا هذا الانشغال لأجريت دراسة مستفيضة وشافية ووافية للوصول إلى كنه ظاهرة تعصب الناس للقهوة مثلا أو للشاهي، ونظر كل حزب إلى الآخر بعين الاحتقار والانتقاص.
فلا شيء يحدث دون سبب، والأسباب لمثل هذه الظاهرة ليست واضحة يمكن الوصول إليها دون تعب ودون بذل الجهد، صحيح أن المتوقع في نهاية المطاف حتى بعد معرفة الحقيقة أن الجهد الذي بذل للوصول إليها أكبر بكثير مما تستحق، لكن لذة الوصول إلى الحقيقة تعادل عند أناس لذة شرب سطل من القهوة الساخنة.
ثم إن الأمر أيها الناس يتجاوز أمر المشروبات إلى غيرها من الأمور التي يمكن أن يتشاركها الناس دون أن يتسبب ذلك في نفادها، ولقد رأيت رجلين عاقلين بالغين راشدين يختصمان وكل منهما يسفه الآخر ويبين أنه عالة على البشرية، أحدهما كان يؤمن أن صوت طلال - تغشته شآبيب الرحمة - هو التعريف الواضح الذي لا لبس فيه للطرب، وأن غيره عيال عليه، وآخر يعتقد أن صوت محمد عبده - أطال الله بقاءه - هو اختصار معنى الفن، وأن غيره هوامش لا علاقة لها بالمتن. وشهدت معارك طاحنة - ونجوت منها - كانت تدور حول أنواع الهاتف الجوال، واحتقار كل حزب ما في يد غيره.
ولقد أعيتني الحيرة، وأنا أتساءل: ما الذي يمنع الذي يحب القهوة من شرب الشاهي؟ وما الذي يمنع من يحب محمد من أن يطرب لصوت طلال؟ وما الذي يدفع إنسانا يحب شرب الحليب الساخن إلى احتقار آخر لأنه يحبه باردا أو لأنه لا يطيقه في كل حالاته، أو العكس طبعا؟
وبشكل مبدئي وقبل أن أبدأ إجراء دراساتي حول هذه القضية السخيفة فقد وجدت أن وسائل التواصل قد عززت من هذا السلوك، وأن كل هذا ربما لا يكون حقيقيا، فكثير من الذين يلتقطون الصور لأنفسهم وهم يحتسون القهوة السوداء وبجوارها كتاب جميل المظهر يفعلون ذلك من أجل المباهاة فقط، وبعد أن تلتقط الصور تسكب القهوة ويعود الكتاب إلى الرف دون أن يُقرأ.
وكثيرون يدعون محبة فيروز في العلن ويسمعون عيسى الأحسائي - عليه من الله مغفرة ورضوان - في السر. وهذا أمر يمكن تفسيره بالميل إلى الخوف من احتقار «الذوق»، والتشنيع على المختلف.
إضافة إلى أن التباهي الثقافي هو أحد أنواع التباهي - الهياط في لغة أخرى - المستجدة، فالجميع يريد أن يبدو مثقفا والجميع يريد أن يبدو قارئا نهما، ولذلك تم تنميط سلوك المثقف بأنه شخص يقرأ كتبا ويشرب قهوة سوداء، وهذا ما سهل على كثيرين الظهور بمظهر المثقف دون أن يحفظ معلومة واحدة أو يبدع سطرا واحدا. الأمر لا يتعدى وجود كاميرا جيدة ومقهى وكتاب. ثم ظهر تباهٍ مضاد يعتمد على كراهية القهوة وحب الشاهي.
وعلى أي حال..
لست ضد أن يحب أحد القهوة ولا أن يعشق الشاهي، ولا أن يسمع أم كلثوم أو طاهر كتلوج، لكن الفكرة في أنه ليس من ضرورات الحياة أن تخبرنا كل يوم أنك مدمن تعشق قهوة سوداء كليل مفارق، وحارة كجحيم ومُرّة كحياة، وأنك لا تتخيل دوران الأرض دون ميزان القهوة، ولا مبرر لأن تحتقر ذوق الآخرين الذي يختلف عن ذوقك المستجد. افعل ما تريد، ومارس ما تحب دون ضوضاء، لكن إياك ثم إياك أن تضع السكر في القهوة، فهذا أمر سيفشل كل محاولاتي في الدفاع عن ذوقك.
agrni@
والحقيقة أني منشغل بالكفاح من أجل البقاء كما تفعل كل الكائنات الحية، ولولا هذا الانشغال لأجريت دراسة مستفيضة وشافية ووافية للوصول إلى كنه ظاهرة تعصب الناس للقهوة مثلا أو للشاهي، ونظر كل حزب إلى الآخر بعين الاحتقار والانتقاص.
فلا شيء يحدث دون سبب، والأسباب لمثل هذه الظاهرة ليست واضحة يمكن الوصول إليها دون تعب ودون بذل الجهد، صحيح أن المتوقع في نهاية المطاف حتى بعد معرفة الحقيقة أن الجهد الذي بذل للوصول إليها أكبر بكثير مما تستحق، لكن لذة الوصول إلى الحقيقة تعادل عند أناس لذة شرب سطل من القهوة الساخنة.
ثم إن الأمر أيها الناس يتجاوز أمر المشروبات إلى غيرها من الأمور التي يمكن أن يتشاركها الناس دون أن يتسبب ذلك في نفادها، ولقد رأيت رجلين عاقلين بالغين راشدين يختصمان وكل منهما يسفه الآخر ويبين أنه عالة على البشرية، أحدهما كان يؤمن أن صوت طلال - تغشته شآبيب الرحمة - هو التعريف الواضح الذي لا لبس فيه للطرب، وأن غيره عيال عليه، وآخر يعتقد أن صوت محمد عبده - أطال الله بقاءه - هو اختصار معنى الفن، وأن غيره هوامش لا علاقة لها بالمتن. وشهدت معارك طاحنة - ونجوت منها - كانت تدور حول أنواع الهاتف الجوال، واحتقار كل حزب ما في يد غيره.
ولقد أعيتني الحيرة، وأنا أتساءل: ما الذي يمنع الذي يحب القهوة من شرب الشاهي؟ وما الذي يمنع من يحب محمد من أن يطرب لصوت طلال؟ وما الذي يدفع إنسانا يحب شرب الحليب الساخن إلى احتقار آخر لأنه يحبه باردا أو لأنه لا يطيقه في كل حالاته، أو العكس طبعا؟
وبشكل مبدئي وقبل أن أبدأ إجراء دراساتي حول هذه القضية السخيفة فقد وجدت أن وسائل التواصل قد عززت من هذا السلوك، وأن كل هذا ربما لا يكون حقيقيا، فكثير من الذين يلتقطون الصور لأنفسهم وهم يحتسون القهوة السوداء وبجوارها كتاب جميل المظهر يفعلون ذلك من أجل المباهاة فقط، وبعد أن تلتقط الصور تسكب القهوة ويعود الكتاب إلى الرف دون أن يُقرأ.
وكثيرون يدعون محبة فيروز في العلن ويسمعون عيسى الأحسائي - عليه من الله مغفرة ورضوان - في السر. وهذا أمر يمكن تفسيره بالميل إلى الخوف من احتقار «الذوق»، والتشنيع على المختلف.
إضافة إلى أن التباهي الثقافي هو أحد أنواع التباهي - الهياط في لغة أخرى - المستجدة، فالجميع يريد أن يبدو مثقفا والجميع يريد أن يبدو قارئا نهما، ولذلك تم تنميط سلوك المثقف بأنه شخص يقرأ كتبا ويشرب قهوة سوداء، وهذا ما سهل على كثيرين الظهور بمظهر المثقف دون أن يحفظ معلومة واحدة أو يبدع سطرا واحدا. الأمر لا يتعدى وجود كاميرا جيدة ومقهى وكتاب. ثم ظهر تباهٍ مضاد يعتمد على كراهية القهوة وحب الشاهي.
وعلى أي حال..
لست ضد أن يحب أحد القهوة ولا أن يعشق الشاهي، ولا أن يسمع أم كلثوم أو طاهر كتلوج، لكن الفكرة في أنه ليس من ضرورات الحياة أن تخبرنا كل يوم أنك مدمن تعشق قهوة سوداء كليل مفارق، وحارة كجحيم ومُرّة كحياة، وأنك لا تتخيل دوران الأرض دون ميزان القهوة، ولا مبرر لأن تحتقر ذوق الآخرين الذي يختلف عن ذوقك المستجد. افعل ما تريد، ومارس ما تحب دون ضوضاء، لكن إياك ثم إياك أن تضع السكر في القهوة، فهذا أمر سيفشل كل محاولاتي في الدفاع عن ذوقك.
agrni@
الأكثر قراءة
المياه الجوفية في جدة.. معاناة مستمرة وحلول تنتظر التنفيذ
"ردا على مقال المياه الجوفية في جدة.. معاناة مستمرة وحلول تنتظر التنفيذ"
استزلام عرب الشمال والرقص على جحود السعودية
تميّز مستحق لهدية الحاج والمعتمر
عشوائيات ولكن ليست عشوائيات!!
أزمة النظام الصحي البريطاني: هل يلهمنا أم يحذرنا من تكرار فشله؟