ياسر عمر سندي

الهدوء الذي يسبق العاطفة

الأربعاء - 10 يونيو 2020

Wed - 10 Jun 2020

لكل فعل ردة فعل، وأحيانا ينتج عن ذلك ردود لتلك الأفعال، والردود أيضا تختلف، فإما أن تعتريها القسوة أو يلازمها العطف في التعامل والتفاعل البشري، وقد تتطلب التروي والتريث والهدوء، وقد يضطر الوضع والموقف المصاحب إلى ردود صارمة للتحكم في زمام الأمور وشتات الأفكار والعقول وتطويعها حتى تعود لجادة الصواب.

ومن خلال الاستقراء الزمني والنفسي والمجتمعي للفترة الماضية، أي ما يقارب ثلاثة أشهر، وتحديدا لما تسبب به فيروس كورونا (كوفيد 19)، يبدو أنه ساعد في تغيير خارطة الفكر الجمعي والنفسي، وأعاد التأخر الثقافي، وأبطأ من استمرارية الوعي الذاتي، فأصبحت الأفعال وردود الفعل غير مستأنسة، وليست متقبلة بل متقلبة، وظهر على الساحة ما يسمى بنظرية المؤامرة والفكر الحذر حتى أخرج من دائرة الشمولية في التعميم على الآخرين، وأكون منصفا إلى حد كبير، ومعتدلا في الطرح.

أود إيصال ما أرمي إليه من فكرة في هذه السطور التالية من خلال هذا المقال، بأن هنالك نخبة أعتبرهم من المنضبطين والمعتدلين وهم أصحاب الرؤى الواعية والعريضة، والذين فهموا المقاصد منذ بداية القرارات التوعوية والتحذيرية الحكومية المنبثقة من وزارة الداخلية ووزارة الصحة، وأحسنوا التصرف للوصول إلى الهدف، على المستوى الخاص والوطني، وعلى النقيض من ذلك لمن تعاملوا مع الأحداث بتجريد الوعي، ظهرت بالتالي سلوكيات غير محمودة لفظيا وفعليا وإيمائيا، فما كان مستساغا في الماضي أصبح ثقيلا هذه الفترة، ومن كان سهل التعاطي في الأخذ والرد بات صعب المراس ولا يقبل أنصاف الحلول، ولا يؤمن باستراتيجية التجاهل والتغافل لتمرير المواقف وتأليف القلوب، بل أهملوا التعاطف البيني للقريبين والبعيدين، وأحضروا السوء بالرمي على خيرية المضمون، واستبدلوا إيجابية الأخلاق بسلبية الظنون.

وتبرز منهجية «الذكاء العاطفي» في هذه المواقف الحرجة، والتي نعيشها في مرحلة هذا الوباء العالمي كورونا، نسأل الله العظيم أن يشفي من ابتلي به، وأن يغفر ويرحم من توفي بسببه، ويقي الجميع منه، حيث إن فكرة الذكاء العاطفي تنطلق من عاملين مهمين رئيسين، الأول هو «العقل» مصدر الأوامر والإلهام والتفكير والتقرير، والثاني «القلب» مصدر المشاعر والحب والميول والرغبات.

وفي أوقات الأزمات وما يتعرض له الإنسان، يحتاج إلى كثير من أعمال التوازن بين هذين العاملين، فالذكاء لا ينحصر في النبوغ والتوقد الذهني والحسابي والمنطقي والمالي كما يراه كثيرون، لكنه يبرز في محك التعاملات بين البشر وغيرهم من مخلوقات الله كالحيوانات والشجر والحجر.

ولتقريب الصورة أكثر فما يعانيه الجميع في هذه الفترة من الحجر المنزلي، وما تبعه من وقف لمعظم الأنشطة التجارية والاقتصادية وانغلاق لكل وسائل الترفيه والخروج والسفر، وغالبية الأمور التي تساعد في تجاوز فترات الملل والرتابة والروتين؛ يحتاج التعامل بالذكاء العاطفي، الذي أعرفه بأنه «استخدام جميع الإمكانات المتاحة بعمق التفكير، وحسن التدبير، وقوة التأثير»، فهو الحل ليجعل منا أكثر تكيفا وأشد توافقا وأعظم تقبلا لهذه المرحلة.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية، أرى أن نتعامل في هذه الفترة بالإيمان الخالص، وتعظيم درجة الوعي الذاتي لأنفسنا ولمن حولنا، وتعزيز الاحترام لقرارات الدولة، وتقدير كل ما تبذله لرعايتنا، وعدم كسر الحواجز المحيطة بالمخالطة والخروج، ورفع درجة التوازن بين المهم والأهم، واليقين بأنها سحابة صيف وستنقشع، وأن ذلك من السنن الكونية، فليس من سكون إلا ويتبعه هيجان، ولا يوجد اضطراب إلا ويعقبه اطمئنان، ولنحسن الظن في الآخرين، القريبين والبعيدين، ونتفهم مقاصدهم ونواياهم ونعمل على تقديرهم واستشعار الخير فيهم.

ما حدث أخيرا من البعض، هداهم الله، من تغليب العاطفة على العقل، والبعد عن الاتزان للكفتين بالخروج العشوائي والمخالطة والتقارب، لتحقيق الرفاهية والانطلاق بعد الانغلاق والعودة بدون حذر بمجرد أن تم رفع الحظر؛ أدى إلى ما لا تحمد عقباه، من زيادة في حالات الإصابة بكورونا، بل وزادت الحالات الحرجة لأكثر من معدلها الطبيعي، وتأخرت حالات التعافي، الأمر الذي حذرت منه وزارة الصحة مرارا وتكرارا، مما اضطر الجهات المعنية في الدولة إلى إعادة استصدار قوانين التباعد الإلزامية، من تقليص الخروج ووقف حضور صلوات الجماعة في المساجد، فالوضع يتطلب الهدوء والتفكير العقلاني قبل الحكم العاطفي.