عبدالله زايد

الجماهير.. دون عقل!

السبت - 06 يونيو 2020

Sat - 06 Jun 2020

أظهرت أعمال النهب والسرقة والتدمير التي تقع الآن في مختلف المدن الأمريكية، بسبب اعتداء رجل شرطة على مواطن أمريكي والتسبب في وفاته، أظهرت الصورة القاتمة والمخيفة لمعنى نزول الناس إلى الشوارع للمطالبة بأي حق بديهي. بمعنى أن تلك الجموع التي نزلت إلى الشوارع قلة منها جدا هي المهمومة بتلك الحادثة وتريد تحقيق العدالة، أما السواد الأعظم فقد كانوا انتهازيين، ومنهم من وجد في مثل هذه الحادثة فرصة للتدمير وإحداث الفوضى تعبيرا عن كراهيته للمجتمع أو فرصة لمحاولة الحصول على ما ينقصه من مواد استهلاكية ونحوها.

في التاريخ البشري قصص وروايات تتحدث عن شعارات الجماهير، والتي دوما العدالة والمساواة والحرية أبرزها، ولكننا نعلم أن الغوغائية الجماهيرية والفوضى والهمجية لا تقيم الدول ولا تبني الحضارة، وبسببهم تقع أفدح أنواع الظلم والقهر.

وفي هذا الواقع المعاصر لا تخرج الأحداث في أمريكا عن مثل هذا السيناريو، فالهدف الأسمى والأعظم هو العدالة والمساواة، ولكن ما نراه على أرض الواقع أبعد ما يكون عن العدالة وعن تحقيق المساواة، بل فيه طحن وظلم وتدمير لممتلكات الآخرين وقتل الأبرياء.

ولعل من المفارقة أن الجماهير نفسها هي من تتسبب بوجود الأنظمة القمعية، فأمريكا تتوجه الآن إلى استدعاء الجيش للنزول إلى المدن وعمدة واشنطن أمر بحظر للتجول، وهناك إجراءات أكثر صرامة قد تحدث في غضون الأيام القليلة المقبلة. وإن عدنا إلى الوراء وتحيدا إلى الحقبة النازية، سنجد أن الألمان هم من انتخبوا هتلر، ونصبوه قائدا أعلى لهم، وهم أنفسهم من كانوا سعداء بالتمييز العنصري، لدرجة أنه تم إقحام العلم وتحريف الحقائق.

العالم والباحث الألماني البروفسور بوليوس ليبس، أستاذ علم الأجناس وعلم الاجتماع في جامعة كولن ومدير متحف علم الشعوب في المدينة نفسها حتى صعود النازية إلى الحكم في ألمانيا، تحدث عن مثل هذا الاستغلال للعلم فقال «لم يتعرض علم من العلوم - باستثناء علم القانون وروح القوانين - للتشويه والذل وسوء الاستخدام من قبل التيارات السياسية التي جاء بها الحكم النازي للعالم كعلم الإنسان وإبداعه. فقد جعل من العلم الذي قام أصلا للمساهمة الفعالة في تفاهم الثقافات والشعوب، واحدا من أمضى أسلحة الحرب العدوانية. جعل من هذا العلم أداة مسمومة لارتكاب الجرائم السياسية والإنسانية من خلال قسر النظرية وإقحامها في الزعم أن بعض الشعوب ليست إخوة للبشرية، بل كائنات من أنواع منحطة». مرة أخرى من الذي أحضر هتلر إلى السلطة وبارك نازيته ونزوته، أليست الجماهير الثورية؟!

في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد تجربة ديمقراطية ثرية لنحو 200 عام الجيش والحرس الوطني سيقمعان هذه الجماهير وثورتها - إن لم يتوقفوا - ولن يلتفت إلى شعارات الحرية ولا إلى الدستور الأمريكي الذي يسمح بالتظاهر والتعبير عن الرأي. هل تعلمون لماذا؟ لأن التظاهر والتعبير عن الرأي، وصل إلى مرحلة تدمير البلاد وانتهاك حقوق الآخرين، ولم تكن 200 عام كافية لتعليم هؤلاء الغوغاء الحدود القانونية والإنسانية. وهكذا هي الجماهير في همجيتها وحماسها المبتذل دائما، وهذه طبيعتها، ثورة وحماس واندفاع، لكن دون عقل!

@abdullahzayed