فاطمة جعفر آل هليل

الواقع الافتراضي.. هل هو حقا افتراضي؟

الأحد - 31 مايو 2020

Sun - 31 May 2020

الواقع الافتراضي أو (Virtual reality) مصطلح لطالما تردد على ألسنة أولادنا الصغار وهم يتناقلون نظارات الواقع الافتراضي للعب في بعض ألعاب (playstation)، ولعل هذا المفهوم اقتصر على هذه النظارات لكثير منا بالرغم من كون هذا المصطلح واسعا جدا ومستخدما في عديد من مجالات الحياة المختلفة، بل إن تطوره قد يفاجئك وأنت تتنقل بين طيات هذا المقال.

مصطلح الواقع الافتراضي ما هو إلا عبارة عن محاكاة الحاسوب للبيئات المختلفة ماديا، حيث ينقلك لهذه البيئات، سواء كانت حقيقية وموجودة في هذا العالم قريبة ماديا منك أو تفصلها عنك القارات والمحيطات، أو كانت عوالم خيالية لا أصل لوجودها في الواقع.

استخدمت تقنيات الواقع الافتراضي بادئ الأمر لتدريب الطيارين على قيادة الطائرات والتحكم بها والقدرة على السيطرة على الوضع حتى في أسوأ حالات الطقس، حيث يوضع الطيار في غرفة شبيهة بغرفة القيادة في الطائرة، حيث تجري محاكاة كامل الوضع ويرتدي الطيار نظارة تنقله لعالم افتراضي يحاكي الطيران الحقيقي، ويصبح بين لحظة وأخرى يسبح بين الغيوم بمركبته الطائرة دون أن يتعرض لأي خطر.

مؤخرا كذلك استخدم الواقع الافتراضي في تدريب الجنود على القتال وخوض الحروب والمعارك، وكان أول من استخدم هذه التقنيات في تدريب الجنود وزارة الداخلية البريطانية، التي رأت أن تطور قدرات الجنود بعد تدريبهم افتراضيا أفضل بكثير من تدريبهم الميداني المعتاد وأقل ضررا وتكلفة حتى. كذلك تستخدم اليوم فعليا تقنيات VR في تدريب الأطباء على اكتشاف عديد من الأمراض داخل جسم الإنسان، بل إنهم يتدربون على أعقد العمليات الجراحية باستخدام الواقع الافتراضي، ويعد مستشفى ميامي أفضل مثال على استخدام هذه التقنيات، حيث تطورت قدرة الأطباء وكفاءتهم فيه بنسبة 80% عما كانت عليه بالسابق، كون المحاكاة التي يوفرها العالم الافتراضي تكاد تكون مماثلة للعالم الواقعي، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه نظريا أبدا، حيث كان الأطباء في السابق يقتصر تدريبهم على مراقبة الأطباء المتمرسين في أدائهم للعمليات الجراحية، بينما الآن يستطيعون باستخدام تقنيات VR إجراء عملية جراحية كاملة دون أن يتضرر أحد من هذا التدريب.

ولم يقتصر الأمر على تدريب الأطباء والجنود، بل كان لهذه التقنيات دور كبير في تطوير حياة البشر وجعلها أكثر كفاءة عن طريق علاج وتخفيف أعراض كثير من الأمراض النفسية، مثل مرض التوحد وبعض أنواع الفوبيا، وفعليا اليوم يوجد عديد من المستشفيات التي اعتمدت هذه التقنيات في العلاج.

أما في عام 2016 فنفذت شركة (Framestore) فكرة شركة (Lockheed Martin) التي تنص على رغبتها في عمل رحلة مدرسية لعدد من الطلاب إلى كوكب المريخ، وفعلا تمت هذه الرحلة باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، حيث أدخلوا الطلبة إلى حافلة مدرسية صممت نوافذها لتعرض للطلبة صور كوكب المريخ، وتحاكي المريخ حتى في انعطافات الحافلة لتكتمل الصورة عند الطلبة، ويحققوا الفائدة الحقيقة من هذه الرحلة ويشعروا أنهم حقا في كوكب المريخ.

ماذا لو وصلنا لمرحلة لا يمكننا فيها التمييز بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي؟

عند انتشار السينما للمرة الأولى في العالم عرض فيلم لقطار يتجه باتجاه الجمهور، فقفز الجمهور وضج خوفا من هذا القطار الافتراضي، لأن عقله في تلك اللحظة لم يتمكن من التمييز بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي الذي يشاهده، وردة الفعل هذه هي نفسها التي يشعر بها العقل عند دخوله في العالم الافتراضي.

اليوم وبعد تطبيق إجراءات الحجر الصحي الاحترازي في أغلب البلدان، كثير منا يعاني من حالات الضجر والشوق للقاء الأهل والأقارب، لكن ماذا لو وفرت لنا التكنولوجيا الحديثة إمكانية لقائنا بأقاربنا فعليا والجلوس معهم والحديث المطول معهم لكن دون ضرر ودون حدوث ضرر أو انتقال عدوى كذلك؟ هذا بالفعل ما يعمل عليه العلماء في شركة (Tesla inc)، حيث صمموا بدلة متكاملة تضاهي الواقع بالكامل، ليس فقط نظارات أو قفازات، بل إن جسدك بأكمله يدخل في هذا العالم وكل حركاتك تؤثر فيه، حيث صمم هذا اللباس بطريقة تسمح للحساسات التوزع على كامل الجسد، فتجعلك تشعر بكل لمسة أو ضربة أو عناق يحدث لك في العالم الافتراضي، مع إمكانية تحديد مستوى الألم والشعور.

ليس هذا فحسب، بل طور فريق من العلماء من جامعة سنغافورة جهازا يجعلك تشعر بالأطعمة المختلفة، تماما كأنك تتذوقها واقعا، كذلك طور هؤلاء العلماء نظارة الواقع الافتراضي وأضافوا لها قدرتها على محاكاة الطقس الذي تراه في الواقع الافتراضي الذي أمامك، حيث تعمل مروحتان مرتبطتان في النظارة على تعريض منطقة معينة من الرقبة على درجة حرارة معينة تحاكي درجة الحرارة في العالم الافتراضي، وتجعلك تشعر بالحرارة مثلا حتى لو كنت في مكان مكيف.

ماذا لو تطور العالم لدرجة تمكننا اليوم ونحن في الحجر الصحي من أن نلتقي بأقاربنا ونجالسهم ونصافحهم ونعانقهم ونتناول الطعام معهم كذلك، وكل واحد منا في منزله؟ كيف ستكون حياتنا عندما نصل لمرحلة يعجز عقلنا فيها عن التمييز بين الواقع الحقيقي الذي نعيشه والواقع الافتراضي الذي في الأصل لا حقيقة له؟